الناسُ في الحَرَجِ، ولأنَّ فيه مَعنى عَقدَيْنِ جائِزَيْنِ -وهُما السَّلَمُ والإجارةُ- لأنَّ السَّلَمَ عَقدٌ على مَبيعٍ في الذِّمَّةِ، واستِئجارُ الصُّنَّاعِ يُشترَطُ فيه العَمَلُ، وما اشتَمَلَ على مَعنى عَقدَيْنِ جائِزَيْنِ كان جائِزًا (١).
أمَّا جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ فلا يُجوِّزنَ عَقدَ الاستِصناعِ هذا، وإنَّما يَصحُّ عندَهم على أساسِ عَقدِ السَّلَمِ، ويُشترَطُ فيه ما يُشترَطُ في السَّلَمِ المُتقدِّمِ بَيانُه مِنْ وَصفِ العَمَلِ وضَربِ الأجَلِ وتَعجيلِ رأسِ المالِ وكَونِ المَعمولِ منه والعَملِ في الذِّمَّةِ كما سبَق بَيانُه.
قال المالِكيَّةُ: وفَسَد السَّلَمُ في نَحوِ عَمَلِ السَّيفِ بتَعيينِ الشَّيءِ المَعمولِ منه -كالحَديدِ-، أو تَعيينِ الشَّخصِ العامِلِ، وأوْلى بتَعيينِهما معًا؛ لِشِدَّةِ غَرَرِه فيهما، ومَنِ استَصنَعَ طَشتًا أو تَورًا أو قَلَنسُوةً أو خِفافًا أو غيرَ ذلك مما يُعمَلُ في الأسواقِ بصِفةٍ مَعلومةٍ، فإنْ كان مَضمومًا إلى مِثلِ أجَلِ السَّلَمِ، ولَم يَشترِطْ عَمَلَ رَجُلٍ بعَينِه ولا شَيئًا بعَينِه يُعمَلُ منه جازَ ذلك إذا قَدَّمَ رأسَ المالِ مَكانَه أو إلى يومٍ أو يومَيْنِ، فإنْ ضَرَبَ لِرأسِ المالِ أجَلًا بَعيدًا لَم يَجُزْ، وصارَ دَينًا بدَينٍ.
وإنِ اشتَرَط عَمَلَه مِنْ نُحاسٍ أو حَديدٍ بعَينِه، أو اشتَرَط ظَواهِرَ مُعَيَّنةً أو عَمَلَ رَجُلٍ بعَينِه لَم يَجُزْ وإنْ نَقَدَه؛ لأنَّه غَرَرٌ لا يَدري أيُسَلَّمُ إلى ذلك الأجَلِ أم لا، ولا يَكونُ السَّلَفُ في شَيءٍ بعَينِه.
(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ٢)، و «المبسوط» (١٢/ ١٣٩، ١٤٠)، و «المحيط البرهاني» (٧/ ٢٩٧)، و «البحر الرائق» (٦/ ١٨٥)، و «الفتاوى الهندية» (٣/ ٢٠٧).