للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإثباتُ الخيارِ لِكُلٍّ مِنَ العاقدَيْنِ لا يَدلُّ على أنَّه غيرُ بَيعٍ، بدَليلِ أنَّه في بَيعِ المُقايَضةِ لو لَم يَرَ كلٌّ مِنَ العاقدَيْنِ عَينَ الآخَرِ -أي: مَبيعَه- كان لِكُلٍّ منهما الخيارُ.

وثُبوتُ خيارِ الرُّؤيةِ لِلمُستَصنِعِ مِنْ خَصائِصِ البُيوعِ، فدَلَّ على أنَّ جَوازَه جَوازُ البِياعاتِ، لاجَوازُ العِدَاتِ، ويَترتَّبُ على كَونِه بَيعًا أنَّه يُجبَرُ الصانِعُ على عَمَلِه ولا يَرجِعُ الآمِرُ -المُستَصنِعُ- عنه، ولو كان عِدةً لَما لَزِمَ.

وقال بَعضُهم: هو إجارةٌ ابتِداءً، بَيعٌ انتِهاءً، لكِنْ قبلَ التَّسليمِ لا عندَ التَّسليمِ، بدَليلِ قَولِهم: إذا مات الصانِعُ يَبطُلُ ولا يُستَوفى المَصنوعُ مِنْ تَرِكَتِه.

ثم اختَلَفتْ عباراتُهم عن هذا النَّوعِ مِنَ البَيعِ، هل هو عَقدٌ على مَبيعٍ في الذِّمَّةِ؟ أو هو عَقدٌ على مَبيعٍ في الذِّمَّةِ شُرِطَ فيه العَمَلُ؟

قال بَعضُهم: هو عَقدٌ على مَبيعٍ في الذِّمَّةِ؛ لأنَّ الصانِعَ لو أحضَرَ عَينًا كان عَمَلُها قبلَ العَقدِ ورَضيَ به المُستَصنِعُ لَجازَ، ولو كان شَرطُ العَمَلِ مِنْ العَقدِ نَفْسِه لَما جازَ؛ لأنَّ الشَّرطَ يَقَعُ على عَمَلٍ في المُستَقبَلِ لا في الماضي.

وقال بَعضُهم: هو عَقدٌ على مَبيعٍ في الذِّمَّةِ شُرِطَ فيه العَمَلُ، وهو الصَّحيحُ مِنَ المَذهبِ، فالمَعقودُ عليه هو العَينُ المُستَصنَعةُ دونَ العَمَلِ، فلو جاء الصانِعُ بالمَطلوبِ بما يُوافِقُ الأوصافَ المَشروطةَ ورَضيَ به المُستَصنِعُ جازَ العَقدُ، سَواءٌ أكانَ مِنْ صَنعةِ غَيرِه أو مِنْ صَنعَتِه قبلَ العَقدِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>