للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَقتُ مَخوفًا يُخشَى فيه نَهبُ ما يَقبِضُه، فلا يَلزَمُه الأخذُ في هذه الأحوالِ كلِّها؛ لأنَّ عليه ضَرَرًا في قَبضِه، ولَم يأتِ مَحَلُّ استِحقاقِه لَه، فجَرى مَجرى نَقصِ صِفةٍ فيه.

وإن كان مما لا ضَرَر في قَبضِه -بأنْ يَكونَ مما لا يَتغيَّرُ، كالحَديدِ والرَّصاصِ والنُّحاسِ- فإنَّه يَستَوي قَديمُه وحَديثُه، ونَحوُ ذلك العَسَلُ والزَّيتُ، وما لا في قَبضِه ضَرَرٌ لِخَوفٍ، ولا تَحمُّلُ مُؤنةٍ، فعليه قَبضُه؛ لأنَّ غَرَضَه حاصِلٌ مع زيادةِ تَعجيلِ المَنفعةِ، فجَرى مَجرى زيادةِ الصِّفةِ وتَعجيلِ الدَّينِ المُؤجَّلِ، ولأنَّ امتِناعَه حينَئذٍ تَعنُّتٌ؛ ولِما رُوِيَ أنَّ أنسًا كاتَبَ عبدًا له على مالٍ إلى أجَلٍ فجاءَه به قبلَ الأجَلِ، فأبى أنْ يأخُذَه، فأتى عُمرَ بنَ الخَطَّابِ فأخَذَه منه، وقال: «اذهَبْ فقَدْ عُتِقْتَ» (١).

وصَرَّحَ الشافِعيَّةُ بأنَّه إذا لَم يَكُنْ لِلمُسلِمِ غَرَضٌ في الامتِناعِ، وكان لِلمُسلَمِ إليه غَرَضٌ آخَرُ سِوى بَراءةِ الذِّمَّةِ، بأنْ كان بالمُسلَمِ فيه رَهنٌ أو كَفيلٌ أُجبِرَ المُسلِمُ على القَبولِ على المَذهبِ، وإلا فقولان أصَحُّهما يُجبَرُ.

وكذا يُلحَقُ بهذه الأعذارِ خَوفُه مِنَ انقِطاعِ الجِنسِ قبلَ الحُلولِ في أصَحِّ الوَجهَيْنِ، وإنْ لَم يَكُنْ لِلمُؤدَّى غَرَضٌ سِوى بَراءةِ الذِّمَّةِ فقولانِ أصَحُّهما: يُجبَرُ، وإنْ تَقابَلَ غَرَضاهما فالمَرعيُّ جانِبُ المُستحِقِّ على المَذهبِ.

وقال الشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ: إنَّ حُكمَ سائِرِ الدُّيونِ المُؤجَّلةِ فيما ذَكَرنا حُكمُ المُسلَمِ فيه، فيَلزَمُه قَبضُه حيثُ لا ضَرَرَ (٢).


(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه البيهقي في «الكبرى» (١٠/ ٣٣٤).
(٢) «روضة الطالبيين» (٣/ ٢٥١)، و «الوسيط» (٤/ ٣٧، ٣٨)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٧، ٢٨)، و «نهاية المحتاج» (٤/ ٢٥٠، ٢٥١)، و «النجم الوهاج» (٤/ ٢٧٥، ٢٧٧)، و «الديباج» (٢/ ١٦٤، ١٦٥)، و «كنز الراغبين مع حاشية قليوبي وعميرة» (٢/ ٦٤٥، ٦٤٦)، و «المغني» (٤/ ٢٠٣، ٢٠٤)، و «الكافي» (٢/ ١١٨)، و «الإنصاف» (٥/ ١٠١، ١٠٢)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٣٠٩، ٣١٠)، و «الفروع» (٤/ ١٣٧)، و «منار السبيل» (٢/ ٧٦)، و «كشاف القناع» (٣/ ٣٥٢، ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>