للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحَنابِلةُ: يَصحُّ السَّلَمُ في أثمانٍ خالِصةٍ ويَكونُ رأسُ المالِ غَيرَها -أي: غيرَ الأثمانِ-؛ لأنَّه يَحرُمُ النَّساءُ بينَ النَّقدَيْنِ.

وكلُّ مالَيْنِ حَرُمَ النَّساءُ فيهما لا يَجوزُ أنْ يُسلَّمَ أحَدُهما في الآخَرِ؛ لِفَواتِ التَّقابُضِ في المَجلِسِ، فلا يَصحُّ أنْ يُسلِّمَ بُرًّا في شَعيرٍ ولا خُبزًا في جُبنٍ.

ويَصحُّ السَّلَمُ في فُلوسٍ -ولو نافِقةٍ- عَدَديَّةٍ أو وَزنيَّةٍ، ولو كان رأسُ مالِها أثمانًا؛ لأنَّ الفُلوسَ عَرَضٌ لا ثَمَنٌ، وهذا أصوَبُ، قال البُهوتيُّ: لكنْ تَقدَّم لَكَ في الرِّبا أنَّها مُلحَقةٌ بالأثمانِ على الصَّحيحِ فلا يَصحُّ إنْ كان رأسُ مالِها ثَمَنًا؛ لِفَواتِ التَّقابُضِ.

لكنْ إنْ كانتِ الفُلوسُ وَزنيَّةً -أي: يُتعامَلُ بها وَزنًا فأسلَمَ فيها مَوزونًا كَصُوفٍ ونَحوِه كخَزٍّ وكَتَّانٍ لَم يَصحَّ السَّلَمُ؛ لِاجتِماعِهما في عِلَّةِ رِبا النَّسيئةِ وهي الوَزنُ.

ويَصحُّ السَّلَمُ في عَرضٍ بعَرضٍ إنْ لَم يَجْرِ بينَهما رِبا النَّسيئةِ، فلو جاءَه بعَينِ ما أخَذَ منه عندَ مَحَلِّه لَزِمَه قَبولُه إنِ اتَّحَدا صِفةً؛ لأنَّه أتاه بالمُسلَمِ فيه على صِفتِه، فلَزِمَه قَبولُه كما لو أتاه بغَيرِه، والمُثمَّنُ إنما هو في الذِّمَّةِ وهذا عِوَضٌ عنه.

فإنْ فَعَل ذلك حيلةً لِيَنتفِعَ بالعَينِ التي جُعلِتْ رأسَ مالِ السَّلَمِ ثم يَرُدَّها بغَيرِ عِوَضٍ لَم يَجُزْ؛ لِما تَقدَّم مِنْ تَحريمِ الحِيَلِ (١).


(١) «كشاف القناع» (٣/ ٣٣٩، ٣٤٠)، و «الروض المربع» (١/ ٦٠١)، و «المغني» (٤/ ١٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>