للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحَنبَليَّةِ؛ لِحَديثِ ابنِ عَبَّاسٍ قال: قَدِمَ النَّبيُّ الْمَدِينَةَ وهُمْ يُسْلِفُونَ في الثِّمارِ السَّنَةَ والسَّنَتَيْنِ، فقال: «مَنْ أسْلَفَ في تَمْرٍ فلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ ووَزْنٍ مَعْلُومٍ إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ» (١)، فالنَّبيُّ أتى بلَفظِ العُمومِ في قوله: «مَنْ أسْلَفَ»، وأيضًا فإنَّه أحَلَّ الأجَلَ مَحَلَّ الكَيلِ، والوَزنِ وقَرَنه بهما؛ فلَمَّا لَم يَجُزِ العَقدُ إذا عُدِمتْ صِفةُ الكَيلِ والوَزنِ فكذلك الأجَلُ يَجبُ اعتبارُه، كما لو قال: صَلِّ على صِفةِ كذا، لَم يَجُزْ العُدولُ عن الصِّفةِ.

ولِأنَّ السَّلَمَ إنما جاز رُخصةً لِلرِّفقِ، ولا يَحصُلُ الرِّفقُ إلا بالأجَلِ؛ فإذا انتَفى الأجَلُ انتَفى الرِّفقُ، فلا يَصحُّ، كالكِتابةِ، ولأنَّ الحُلولَ يُخرِجُه عن اسمِه ومعناه.

أمَّا الاسمُ فلأنَّه يُسَمَّى سَلَمًا وسَلَفًا؛ لِتَعجيلِ أحَدِ العِوضَيْنِ، وتأخُّرِ الآخَرِ.

ومَعناه ما ذَكَرناه في أوَّلِ البابِ مِنْ أنَّ الشارعَ أرخَصَ فيه لِلحاجةِ الداعيةِ إليه، ومع حُضورِ ما يَبيعُه حالًّا لا حاجةَ إلى السَّلَمِ؛ فلا يَثبُتُ.

والدَّليلُ عليه أيضًا أنَّه يَجبُ تَسليمُ رأسِ المالِ أوَّلًا؛ فلو جازَ أنْ يَكونَ المُسلَمُ فيه حالًّا، لَم يَجِبْ تَسليمُ رأسِ المالِ أوَّلًا؛ لأنَّ قَضيةَ المُعاوَضةِ التَّسويةُ بينَ المُتعاقِدَيْنِ في التَّمليكِ، والتَّسليمِ.

ولأنَّ السَّلَمَ عَقدُ تِجارةٍ، وهو مَبنيٌّ على الضِّيقِ، فالظاهِرُ أنَّه يُطالِبُه


(١) رواه البخاري (٢٢٤٠)، ومسلم (١٦٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>