فدَلَّ على أنَّ الذَّكرَ لا يُشبهُ سائِرَ الجَسدِ، ولهذا صانَ اليَمينَ عن مَسِّه، فدَلَّ على أنَّه ليسَ بمَنزلةِ الأنفِ والفَخذِ والرِّجلِ، فلو كان كما قالَ المانِعونَ إنَّه بمَنزلةِ الإبهامِ واليَدِ والرِّجلِ لم يَنهَ عن مَسِّه باليَمينِ، ولأنَّ قياسَ الذَّكرِ أيضًا على سائِرِ البَدنِ لا يَستقيمُ؛ لأنَّه تَتعلَّقُ به أَحكامٌ يَنفردُ بها مِنْ وُجوبِ الغُسلِ بإيلاجِه والحَدِّ والمَهرِ وغيرِ ذلك.
وقالوا أيضًا: إنَّ حَديثَ طَلقٍ مَحمولٌ على المَسِّ فوقَ حائِلٍ؛ لأنَّه قالَ:«سألتُه عن مَسِّ الذَّكرِ في الصَّلاةِ»، والظاهِرُ أنَّ الإِنسانَ لا يَمسُّ الذَّكرَ في الصَّلاةِ بلا حائِلٍ.
ولا فَرقَ عندَ الشافِعيةِ والحَنابِلةِ في قَولٍ بينَ أنْ يَمسَّه عامِدًا أو غيرَ عامِدٍ.
وفي رِوايةٍ عن الإمامِ أحمدَ وهو قَولٌ للمالِكيةِ لا يَنتقضُ الوُضوءُ إلا بمَسِّه قاصِدًا مَسَّه.
قالَ أحمدُ بنُ الحُسينِ: قيلَ لأحمدَ: الوُضوءُ من مَسِّ الذَّكرِ؟ فقالَ: هكذا، وقبَضَ على يَدِه، يَعني إذا قبَضَ عليه (١).
المَذهبُ الثالِثُ: مَذهبُ المالِكيةِ، قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ ﵀: واضطَرَب قَولُ مالِكٍ في إِيجابِ الوُضوءِ من مَسِّ الذَّكرِ، واختَلفَ مَذهبُه
(١) «المغني» (١/ ٢٢٨، ٢٣٠)، و «الإنصاف» (١/ ٢٠٢)، و «المجموع» (٢/ ٤٥، ٥٥)، و «حاشية ابن القيم على سنن أبي داود» (١/ ٢١٢، ٢١٤)، و «مغني المحتاج» (١/ ٣٥)، و «الإفصاح» (١/ ٧٩)، و «الأوسط» لأبن المنذر (١/ ١٩٤)، و «الاستذكار» (١/ ٢٥٠)، و «الكافي» لابن عبد البر (١/ ١٢)، و «الإفصاح» (١/ ٧٩).