ويُحكَم به عليه، وهو جارٍ على قَولِه بلُزومِ العِدَةِ إذا كانَتْ على سَبَبٍ، وإنْ لَم يَدخُلْ بسَبَبِها في شَيءٍ، وقالَ ابنُ القاسِمِ: إنَّما يَلزَمُه إذا اعتَقَدَ الغُرَماءُ منه على وَعدٍ، أو أشهَدَ به على نَفْسِه، وذلك على أصلِه في أنَّه لا يَقضي بالعِدَةِ إلَّا إذا دخَل بسَبَبِها في شَيءٍ، ولو قالَ: أُشهِدُكم على أنِّي فاعِلٌ أو أفعَلُ، فظاهِرُ كَلامِ مالِكٍ في سَماعِ ابنِ القاسِمِ مِنْ العاريةِ أنَّه تَردَّدَ في الحُكمِ عليه بذلك، وأنَّ الظاهِرَ اللُّزومُ، وقالَ ابنُ رُشدٍ: ولو قالَ: أُشهِدُكم على أنِّي قد فَعَلتُ، ما وَقَفَ في إيجابِه عليه، ولُزومِ القَضاءِ به.
فَرعٌ: قالَ في سَماعِ أشهَبَ مِنْ كِتابِ العاريةِ فيمَن حلَف لَيُوفِّيَنَّ غَريمَه إلى أجَلٍ، فلمَّا خَشيَ الحِنثَ ذكَر ذلك لِرَجُلٍ، فقالَ: لا تَخَفْ، ائْتِني هذه العَشيَّةَ أُعطِكَها؛ فلمَّا كانَتِ العَشيَّةُ جاءَه فأبَى أنْ يُعطيَه، فقالَ له: غَرَرتَني حتى خِفتُ أنْ يَدخُلَ على الطَّلاقُ، أتُراه له لازمًا؟ فقالَ: لا واللَّهِ، ما أرى ذلك لازِمًا له، ولا هو مِنْ مَكارِمِ الأخلاقِ ولا مَحاسِنِها. قالَ مُحمَّدُ بنُ رُشدٍ: قد قيلَ: إنَّه يَلزَمُه، وهو الأظهَرُ؛ لأنَّه غَرَّه ومنَعه أنْ يَحتالَ لِنَفْسِه بما يَبَرُّ به مِنْ سَلَفٍ أو غيرِه. اه.
قُلتُ: فالقَولُ الأوَّلُ مَبنيٌّ على أنَّ العِدَةَ لا يُقضى بها، ولو كانَتْ على سَبَبٍ، ودخَل في السَّببِ، وقد تَقدَّمَ أنَّه في سَماعِ أشهَبَ مِنْ العاريةِ، والثاني مَبنيٌّ على أنَّه يُقضى بها إذا كانَت على سَبَبٍ، وعلى المَشهورِ أيضًا لأنَّه قد أدخَلَه بسَبَبِ العِدَةِ في عَدَمِ الاحتيالِ لِنَفْسِه حتى خَشِيَ الحِنثَ، واللَّهُ ﷾ أعلَمُ (١).
(١) «تحرير الكلام في مسائل الإلتزام» ص (١٥٤، ١٥٩)، ويُنظر: «فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك» (٢/ ٢٥٤، ٢٥٧)