للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّكبانَ، ولا يَبِعْ بَعضُكم على بَيعِ بَعضٍ، ولا تَناجَشوا، ولا يَبِعْ حاضِرٌ لِبادٍ، ولا تُصَرُّوا الغَنَمَ، ومَن ابتاعَها فهو بخَيرِ النَّظرَيْنِ بعدَ أنْ يَحتَلِبَها، إنْ رَضيَها أمسَكَها، وإنْ سَخِطَها رَدَّها وصاعًا مِنْ تَمرٍ» (١)، فأثبَتَ له النَّبيُّ الخيارَ بالرَّدِّ مع التَّصريةِ، وذلك دالٌّ على كَونِه عَيبًا مُؤثِّرًا، ولأنَّه مُدلِّسٌ، فأشبَهَ التَّدليسَ بسائِرِ العُيوبِ؛ لأنَّ هذا تَدليسٌ بما يَختلِفُ الثَّمنُ باختِلافِه؛ فوجَب به الرَّدُّ، كما لو كانَتْ شَمطاءَ فسَوَّدَ شَعرَها.

وإنَّما يثبُتُ الخيارُ بشَرطِ ألَّا يَكونَ المُشتَري عالِمًا بالتَّصريةِ، فإنْ كانَ عالِمًا لَم يَثبُتْ له الخيارُ عندَ الحَنابِلةِ؛ لأنَّه اشتَراها عالِمًا بالتَّدليسِ، فلَم يَكُنْ له خيارٌ، كما لو اشتَرَى ما سُوِّدَ شَعرُها عالِمًا بذلك، ولأنَّه دخَل على بَصيرةٍ فلَم يَثبُتْ له الرَّدُّ، كما لو اشتَرَى مَعيبًا يَعلَمُ عَيبَه.

وقالَ أصحابُ الشافِعيِّ: يثبُتُ له الخيارُ في وَجْهٍ لِلخَبَرِ، ولأنَّ انقِطاعَ اللَّبَنِ لَم يُوجَدْ، وقد يَبقَى على حالِه، فلَم يُجعَلْ ذلك رِضًا، كما لو تَزوَّجتْ عِنِّينًا ثم طَلَبتِ الفَسخَ.

القَولُ الثاني: وهو قَولُ أبي حَنيفةَ ومُحمَّدٍ، وهو أنَّ التَّصريةَ ليسَتْ عَيبًا، ولا خيارَ له؛ لأنَّ ذلك ليسَ بعَيبٍ؛ لِلِاتِّفاقِ على أنَّ الإنسانَ إذا اشتَرَى شاةً فخرَج لِبَنُها قَليلًا فذلك ليسَ بعَيبٍ، والتَّدليسِ بما ليسَ بعَيبٍ لا يُثبِتُ الخيارَ، كما لو عَلَفَها فانتَفَخَ بَطنُها، فظَنَّ المُشتَري أنَّها حامِلٌ، لكنَّه يَرجِعُ عليه بنُقصانِ العَيبِ.


(١) رواه البخاري (٢٠٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>