للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الكاسانيُّ : والأصلُ أنَّ كُلَّ ما يُبطِلُ خيارَ الشَّرطِ وخيارَ العَيبِ يُبطِلُ خيارَ الرُّؤيةِ، إلَّا أنَّ خيارَ الشَّرطِ وخيارَ العَيبِ يَسقُطانِ بصريحِ الإسقاطِ، وخِيارَ الرُّؤيةِ لا يَسقُطُ بصريحِ الإسقاطِ، لا قبلَ الرُّؤيةِ ولا بعدَها، أمَّا قبلَها فلِمَا ذَكَرْنا فيما تَقدَّمَ أنَّه لا خيارَ قبلَ الرُّؤيةِ؛ لأنَّ أوانَ ثُبوتِ الخيارِ هو أوانُ الرُّؤيةِ؛ فقبلَ الرُّؤيةِ لا خيارَ، وإسقاطُ الشَّيءِ قبلَ ثُبوتِه وثُبوتِ سَبَبِه مُحالٌ.

وأمَّا بعدَ الرُّؤيةِ؛ فلأنَّ الخيارَ ما ثبَت باشتِراطِ العاقِدَيْنِ؛ لأنَّ رُكنَ العَقدِ مُطلَقٌ عن الشَّرطِ نَصًّا ودِلالةً، وإنَّما يثبُتُ شَرعًا لِحُكمِه فيه، فكانَ ثابِتًا حَقًّا لِلَّهِ .

وأمَّا خيارُ الشَّرطِ وخيارُ العَيبِ فثَبَتا باشتِراطِ العاقِدَيْنِ، أمَّا خيارُ الشَّرطِ فظاهِرٌ؛ لأنَّه مَنصوصٌ عليه في العَقدِ، وأمَّا خيارُ العَيبِ فلأنَّ السَّلامةَ مَشروطةٌ في العَقدِ دِلالةً، والثابِتُ بدِلالةِ النَّصِّ كالثابِتِ بصريحِ النَّصِّ، فكانَ ثابِتًا حَقًّا لِلعَبدِ، وما ثبَت حَقًّا لِلعَبدِ يَحتمِلُ السُّقوطَ بإسقاطِه مَقصودًا؛ لأنَّ الإنسانَ يَملِكُ التَّصرُّفَ في حَقِّ نَفْسِه مَقصودًا استِيفاءً وإسقاطًا؛ فأمَّا ما ثبَت حَقًّا لِلَّهِ ، فالعَبدُ لا يَملِكُ التَّصرُّفَ فيه إسقاطًا مَقصودًا؛ لأنَّه لا يَملِكُ التَّصرُّفَ في حَقِّ غيرِه مَقصودًا، لكنَّه يَحتمِلُ السُّقوطَ بطَريقِ الضَّرورةِ، بأنْ يَتصرَّفَ في حقِّ نَفْسِه مَقصودًا، ويَتضمَّنُ ذلك سُقوطَ حَقِّ الشَّرعِ؛ فيَسقُطُ حَقُّ الشَّرعِ في ضِمنِ التَّصرُّفِ في حَقِّ نَفْسِه، كما إذا أجازَ المُشتَري البَيعَ، ورَضيَ به بعدَ الرُّؤيةِ نَصًّا أو دِلالةً، بمُباشَرةِ تَصرُّفٍ يَدلُّ على الرِّضا والإجازةِ؛ لأنَّه -وإنْ ثبَت حَقًّا لِلشَّرعِ- أثبَتَه الشَّرعُ نَظَرًا لِلعَبدِ، حتى إذا رَآه وصَلَحَ له أجازَه،

<<  <  ج: ص:  >  >>