للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسولِ اللَّهِ أنَّه نهَى عن بَيعِ الغَرَرِ، وهذا بَيعُ غَرَرٍ؛ لأنَّه تَعلَّقَ انعِقادُ العَقدِ على غَرَرِ سُقوطِ الخِيارِ، إلَّا أنَّه ورَد نَصٌّ خاصٌّ بجَوازِه، فيُتبَعُ مَورِدُ النَّصِّ، وأنَّه ورَد بثَلاثةِ أيَّامٍ، فصارَ ذلك مَخصوصًا عن النَّصِّ العامِّ، وتُرِكَ القياسُ فيه؛ فيُعمَلُ بعُمومِ النَّصِّ ومُقتَضى القياسِ فيما وَراءَ هذا، فلا يُزادُ على المُدَّةِ المَذكورةِ فيهِ؛ ولأنَّه ضَربُ الثَّلاثةِ لِمَنْ كانَ في غايةِ ضَعفِ المَعرِفةِ ولَم يَزِدْ عليها، والحاجةُ إلى دَفعِ الغَبنِ تَندفِعُ بالثَّلاثةِ، فبَقيَ ما رَواه على الأصلِ، والحاجةُ لِلبائِعِ والمُشتَرِي، فثبَت في حَقِّهما.

فإنْ زادَتْ على ثَلاثةِ أيَّامٍ بطَل البَيعُ عندَ الشافِعيَّةِ وزُفَرَ؛ لأنَّه انعقَد فاسِدًا؛ فلا يَنقلِبُ صَحيحًا، وعن أنَسٍ أنَّ رَجُلًا اشتَرَى بَعيرًا واشتَرطَ الخِيارَ أربَعةَ أيَّامٍ، فأبطَلَ النَّبيُّ البَيعَ، وقالَ: إنَّما الخِيارُ ثَلاثةُ أيَّامٍ (١).

وعندَ أبي حَنيفةَ يَبطُلُ البَيعُ، إلَّا إذا أجازَه مَنْ له الخِيارُ في الثَّلاثةِ، أو ماتَ صاحِبُ الخِيارِ في الثَّلاثةِ، أو أحدَثَ فيه ما يُوجِبُ لُزومَ العَقدِ يَنقلِبُ جائِزًا؛ لأنَّه بإجازَتِه في الثَّلاثةِ أسقَطَ المُفسِدَ قبلَ تَقرُّرِه؛ لأنَّ الفَسادَ باليَومِ الرَّابِعِ، حتى إنَّ العَقدَ إنَّما يَفسُدُ بمُضيِّ جُزءٍ مِنْ اليَومِ الرَّابِعِ، فيَكونُ العَقدُ صَحيحًا قبلَه، ولأنَّها مُدَّةٌ مُلحَقةٌ بالعَقدِ، مانِعةٌ مِنْ انبِرامِه، فجازَ أنْ يَنبَرِمَ بإسقاطِه، كالخِيارِ الصَّحيحِ (٢).


(١) ذكَرَه ابنُ حَزمٍ في «المُحلَّى» (٨/ ٣٧٢)، والخَطيبُ الشِّربينيُّ في «مُغنِي المُحتَاج» (٢/ ٤٩٤)، وقالا: رَواهُ عبدُ الرَّزاقِ في «مصنفه»، وفيه أَبانُ بنُ أبي عيَّاشٍ وهو ضَعيفٌ لا يُحتجُّ بحَديثِه.
(٢) «بدائع الصنائع» (٥/ ١٧٤، ١٧٥)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٣٢، ٣٣)، و «اللباب» (١/ ٣٦١)، و «الاختيار» (٢/ ١٥)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٤٥)، و «العناية» (٨/ ٤٤٤، ٤٤٥)، و «تبيين الحقائق» (٤/ ١٤)، و «البحر الرائق» (٦/ ٣، ٤)، و «المجموع» (٩/ ١٨٠)، و «روضة الطالبين» (٣/ ١٠١، ١٠٣)، و «البيان» (٥/ ٢٩)، و «النجم الوهاج» (٤/ ١١٦، ١١٧)، و «مغني المحتاج» (٢/ ٤٩٢، ٤٩٤)، و «الديباج» (٢/ ٦٢، ٦٤)، و «نهاية المحتاج» (٤/ ١٣، ١٦)، و «شرح مسلم» (١٠/ ١٧٦، ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>