فإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أعتَقَ، ثم قامَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ على المِنبَرِ فقالَ: «ما بالُ أقوامٍ يَشتَرِطونَ شُروطًا ليسَتْ في كِتابِ اللَّهِ، مَنْ اشتَرطَ شَرطًا ليسَ في كِتابِ اللَّهِ فليسَ له، وإنِ اشتَرطَ مِئةَ شَرطٍ» (١). فالنَّبيُّ ﷺ أجازَ العِتقَ مع فَسادِ البَيعِ بالشَّرطِ؛ لأنَّ رُكنَ التَّمليكِ وهو قَولُه: (بِعتُ واشتَرَيتُ) صدَر مِنْ أهلِه، وهو المُكلَّفُ المُخاطَبُ، مُضافًا إلى مَحَلِّه، وهو المالُ، عن وِلايةٍ؛ إذِ الكَلامُ فيهما؛ فيَنعقِدُ؛ لِكَونِه وَسيلةً إلى المَصالِحِ، والفَسادُ لِمَعنًى يُجاوِرُه، كالبَيعِ وَقتَ النِّداءِ، والنَّهيُ لا يَنفي الِانعِقادَ، بَلْ يُقرِّرُه؛ لأنَّه يَقتَضي تَصوُّرَ المَنهيِّ عنه، والقُدرةَ عليه؛ لأنَّ النَّهيَ عَمَّا لا يُتصوَّرُ وعن غيرِ المَقدورِ قَبيحٌ، إلَّا أنَّه يُفيدُ مِلْكًا خَبيثًا لِمَكانِ النَّهيِ.
ولِهذا يَجِبُ على كلِّ واحِدٍ مِنْ المُتعاقدَيْنِ فَسخُه؛ إزالةً لِلخُبثِ، ورَفعًا لِلفَسادِ. ولا يُشترَطُ القَضاءُ، فيُفسَخُ بمَحضَرٍ مِنْ الآخَرِ، أي: بعِلمِه، رَضيَ أو لا؛ لأنَّ في الفَسخِ إلزامَ الفَسخِ على صاحِبِه؛ فلا يَلزَمُ بدُونِ عِلمِه.
ويُشترَطُ قِيامُ المَبيعِ حالةَ الفَسخِ؛ لأنَّ الفَسخَ بدُونِه مُحالٌ؛ فإنْ باعَه أو أعتَقَه أو وهَبه بعدَ القَبضِ جازَ، ولا يُنقَضُ لِمُصادَفةِ هذه التَّصرُّفاتِ مِلْكُه، ومُنِعَ الفَسخُ.
وعليه قِيمَتُه يَومَ قَبضِه، إنْ كانَ مِنْ ذَواتِ القِيَمِ، أو مِثلُه إنْ كانَ مِثليًّا؛ لأنَّه كالغَصبِ مِنْ حيثُ إنَّه مَنهيٌّ عن قَبضِه، ولِمَّا كانَ هذا العَقدُ ضَعيفًا؛ لِمُجاوَرَتِه المُفسِدَ، تَوقَّفتْ إفادةُ المِلْكِ على القَبضِ، كالهِبةِ.
(١) رواه البخاري (٢٧٣٥)، ومسلم (١٥٠٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute