قالَ الإمامُ الشافِعيُّ ﵀: ومَن باعَ سِلعةً مِنْ السِّلَعِ إلى أجَلٍ مِنْ الآجالِ وقبَضها المُشتَرِي فلا بَأْسَ أنْ يَبيعَها الذي اشتَراها بأقَلَّ مِنْ الثَّمنِ أو أكثَرَ، ودَينًا ونَقدًا؛ لأنَّها بَيعةٌ غيرُ البَيعةِ الأُولَى.
وقد قالَ بَعضُ النَّاسِ: لا يَشتَريها البائِعُ بأقَلَّ مِنْ الثَّمنِ، وزَعَمَ أنَّ القياسَ في ذلك جائِزٌ، ولكنَّه زَعَمَ تَتبُّعَ الأثَرِ، ومَحمودٌ مِنه أنْ يَتَّبِعَ الأثَرَ الصَّحيحَ؛ فلمَّا سُئلَ عن الأثَرِ إذا هو أبو إسحاقَ عن امرَأتِه عاليةَ بِنتِ أنفَعَ أنَّها دَخَلتْ مع امرَأةِ أبي السَّفَرِ على عائِشةَ ﵂، فذَكَرتْ لِعائِشةَ ﵂ أنَّ زَيدَ بنَ أرقَمَ باعَ شَيئًا إلى العَطاءِ، ثم اشتَراه بأقَلَّ ممَّا باعَه به؛ فقالَتْ عائِشةُ: أخبِري زَيدَ بنَ أرقَمَ أنَّ اللَّهَ قد أبطَلَ جِهادَه مع رَسولِ اللَّهِ، إلَّا أنْ يَتوبَ.
قالَ الشافِعيُّ: فقيلَ له: ثبَت هذا الحَديثُ عن عائِشةَ ﵂، فقالَ أبو إسحاقَ: رَواه عن امرَأتِه. فقيلَ: فتَعرِفُ امرَأتَه بشَيءٍ يثبُتُ به حَديثُها؟ فما عَلِمتُه قالَ شَيئًا؛ فقُلتُ: تَرُدُّ حَديثَ بُسرةَ بِنتِ صَفوانَ، مُهاجِرةٍ مَعروفةٍ بالفَضلِ، بأنْ تَقولَ حَديثَ امرَأةٍ وتَحتَجُّ بحَديثِ امرَأةٍ ليسَتْ عندَكَ مِنها مَعرِفةٌ أكثَرُ مِنْ أنَّ زَوجَها رَوى عنها، ولو كانَ هذا مِنْ حَديثِ مَنْ يثبُتُ حَديثُه، هل كانَ أكثَرُ ما في هذا إلَّا أنَّ زَيدَ بنَ أرقَمَ ﵁ وعائِشةَ ﵂ اختَلَفا؛ لأنَّكَ تَعلَمُ أنَّ زَيدًا لا يَبيعُ إلَّا ما يَراه حَلَالًا له، ورَأتْه عائِشةُ ﵂ حَرامًا، وزَعَمتْ أنَّ القياسَ مع قَولِ زَيدٍ؛ فكَيفَ لَم تَذهَبْ إلى قَولِ زَيدٍ ومعه القياسُ، وأنتَ تَذهَبُ إلى القياسِ في بَعضِ الحالاتِ، فتَترُكُ به السُّنةَ الثَّابِتةَ؟ قالَ: أفَليسَ قَولُ عائِشةَ ﵂ مُخالِفًا لقولِ زَيدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute