للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإباحَتِها أصْلًا؛ لأنَّ إباحَتَها وتَحريمَ الغايةِ جَمعٌ بينَ النَّقيضَيْنِ؛ فلا يُتصوَّرُ أنْ يُباحَ شَيءٌ ويُحرَّمَ ما يُفضي إلَيه، بَلْ لا بدَّ مِنْ تَحريمِهما أو إباحَتِهما، والثَّاني باطِلٌ قَطعًا، فيَتعيَّنُ الأوَّلُ.

وأيضًا: فإنَّ الشارِعَ إنَّما حرَّم الرِّبا، وجعَله مِنْ الكَبائِرِ، وتَوعَّدَ آكِلَه بمُحارَبةِ اللَّهِ ورَسولِه ، لِمَا فيه مِنْ أعظَمِ الفَسادِ والضَّرَرِ؛ فكَيفَ يُتصوَّرُ -مع هذا- أنْ يُبيحَ هذا الفَسادَ العَظيمَ بأيسَرِ شَيءٍ يَكونُ مِنْ الحِيَلِ؟ فيالَلعَجَبِ، أتُرَى هذه الحِيلةَ أزالَتْ تلك المَفسَدةَ العَظيمةَ، وقَلَبَتْها مَصلَحةً بعدَ أنْ كانَتْ مَفسَدةً؟!

وأيضًا: فإنَّ اللَّهَ عاقَبَ أهلَ الجَنَّةِ الذين أقسَموا لَيَصرِمُنَّها مُصبِحينَ، وكانَ مَقصودُهم مَنعَ حَقِّ الفُقَراءِ مِنْ التَّمرِ المُتَساقِطِ وَقتَ الحَصادِ؛ فلمَّا قَصَدوا مَنعَ حَقِّهم منَعهم اللَّهُ الثَّمرةَ جُملةً.

وأيضًا: فإنَّ المُتَوَسِّلَ بالوَسيلةِ التي صُورتُها مُباحةٌ إلى المُحرَّمِ إنَّما نِيَّتُه المُحرَّمُ، ونِيَّتُه أوْلَى به مِنْ ظاهِرِ عَمَلِه.

وأيضًا: فقد رَوى ابنُ بَطَّةَ وغيرُه بإسنادٍ حَسَنٍ عن أبي هُرَيرةَ أنَّ النَّبيَّ قالَ: «لا تَرتَكِبوا ما ارتَكَبَ اليَهودُ، فتَستَحِلُّوا مَحارِمَ اللَّهِ بأدنَى الحِيَلِ» وإسنادُه ممَّا يُصحِّحُه التِّرمِذيُّ.

وأيضًا: فإنَّ النَّبيَّ قالَ: «لعَن اللَّهُ اليَهودَ، حُرِّمتْ عليهم الشُّحومُ فجَمَلوها وباعوها وأكَلوا أثمانَها»، و «جَمَلوها» يَعني: أذابوها وخَلَطوها، وإنَّما فَعَلوا ذلك لِيَزولَ عنها اسمُ الشَّحمِ، ويَحدُثَ لَها اسمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>