للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَقولَ له ذلك في مُدَّةِ الخِيارِ، كما هو مَذهبُ الشافِعيَّةِ والحَنابِلةِ؟

قالَ الحَنفيَّةُ: وصُورةُ البَيعِ على بَيعِ أخيه أنْ يَتَراضَيا على ثَمَنِ سِلعةٍ فيَجيءَ آخَرُ فيَقولَ: أنا أبيعُكَ مثلَها بأنقَصَ مِنْ هذا الثَّمنِ (١).

وقالَ المالِكيَّةُ: المُرادُ ب «لا يَبِعْ أحَدُكم على بَيعِ أخيه»، هو أنْ يَستَحسِنَ المُشتَرِي السِّلعةَ ويَهواها ويَركَنَ إلى البائِعِ ويَميلَ إليه، ويَتَذاكَرا الثَّمنَ، ولَم يَبْقَ إلَّا العَقدُ والرِّضا الذي يَتمُّ به البَيعُ؛ فإذا كانَ البائِعُ والمُشتَرِي على مِثْلِ هذه الحالِ لَم يَجُزْ لِأحَدٍ أنْ يَعتَرِضَه فيَعرِضَ على أحَدِهما ما به يُفسِدُ به ما هُما عليه مِنْ التَّبايُعِ، فإنْ فعَل أحَدٌ ذلك فقد أساءَ.

فأمَّا إنْ كانَ في أوَّلِ الغَرَضِ وابتِداءِ السَّومِ قبلَ التَّقديرِ والرُّكونِ فلا بَأْسَ.

قالَ الإمامُ مالِكٌ: وتَفسيرُ قَولِ رَسولِ اللَّهِ فيما نَرَى -واللَّهُ أعلَمُ- «لا يَبِعْ بَعضُكم على بَيعِ بَعضٍ»، أنَّه إنَّما نهَى أنْ يَسومَ الرَّجُلُ على سَومِ أخيه إذا رَكَنَ البائِعُ إلى السَّائِمِ -أي: المُشتَرِي- وجعَل يَشترِطُ وَزنَ الذَّهبِ ويَتَبَرَّأُ مِنْ العُيوبِ وما أشبَهَ، هذا ممَّا يُعرَفُ به أنَّ البائِعَ قد أرادَ مُبايَعةَ السَّائِمِ، فهذا الذي نهَى عنه، واللَّهُ أعلَمُ.

قالَ مالِكٌ : ولا بَأْسَ بالسَّومِ بالسِّلعةِ تُوقَفُ لِلبَيعِ، فيَسومُ بها


= والحَنابلَةِ؛ لأنَّ البيعَ عِندَهم يَتمُّ ويَنعقِدُ بالإيجابِ والقَبولِ وليسَ عندَهم خيارُ المَجلسِ فَلو فسَّروه بتَفسيرِ الشافِعيَّةِ والحَنابلَةِ لَكان مُخالفًا لِلأصولِهم واللهُ أعلمُ.
(١) «شرح فتح القدير» (٦/ ٤٧٧)، و «حاشية ابن عابدين» (٥/ ١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>