رَسولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يُتلَقَّى الرُّكبانُ لِبَيعٍ، ولا يَبِعْ بَعضُكم على بَيعِ بَعضٍ، ولا تَناجَشوا، ولا يَبِعْ حاضِرٌ لِبادٍ» (١).
ولأنَّ ذلك سَبَبٌ لِإيقاعِ رَجُلٍ فيه بأزيَدَ مِنْ الثَّمنِ، وهو خِداعٌ، والخِداعُ قَبيحٌ، جاوَرَ هذا البَيعَ، فكانَ حَرامًا.
وقالَ الحَنفيَّةُ وبَعضُ المالِكيَّةِ وبَعضُ الشافِعيَّةِ: هذا النَّهيُ مَحمولٌ على ما إذا طَلَبَه المُشتَري بمِثلِ قِيمَتِه، أو أكثَرَ، أمَّا إذا طَلَبَه بأقَلَّ مِنْ قِيمَتِه فلا بَأْسَ أنْ يَزيدَ في ثَمَنِه إلى أنْ يَبلُغَ قِيمةَ المَبيعِ، فلو أنَّ رَجُلًا رَأى سِلعةً تُباعُ بدُونِ قِيمَتِها فزادَ فيها لِتَنتَهيَ إلى قِيمَتِها لَم يَكُنْ ناجِشًا عاصيًا؛ لأنَّه نَفعٌ لِلمُسلِمِ مِنْ غيرِ إضرارٍ بأحَدٍ، وإنْ لَم يَكُنْ له رَغبةٌ فيه؛ لأنَّ ذلك مِنْ النَّصيحةِ.
ثم اختَلَفوا في البَيعِ، هل هو صَحيحٌ مع الحُرمةِ أو أنَّ هذا عَيبٌ، والمُشتَرِي مُخيَّرٌ بينَ الفَسخِ والإمضاءِ؟
فَقالَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ: البَيعُ صَحيحٌ لازِمٌ مع الحُرمةِ؛ لأنَّ النَّجشَ فِعلُ النَّاجِشِ لا العاقِدِ؛ فلَم يُؤثِّرْ في البَيعِ، والنَّهيُ لِحَقِّ الآدَميِّ؛ فلَم يَفسُدِ العَقدُ، كتَلَقِّي الرُّكبانِ وبَيعِ المَعيبِ والمُدلِّسِ، بخِلافِ ما كانَ حَقًّا لِلَّهِ ﷾؛ لأنَّ حَقَّ العَبدِ يَنجَبِرُ بالخِيارِ، أو زيادةِ الثَّمنِ.
وقالَ المالِكيَّةُ والحَنابِلةُ في قَولٍ: لا يَصحُّ بَيعُ النَّجشِ؛ لأنَّه مَنهيٌّ عنه،
(١) رواه البخاري (٢٠٤٣)، ومسلم (١٥١٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute