للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَعامًا على مَكيلةٍ ما، فأخبَرَ البائِعُ أو المُسلِّمُ إليه المُشتَريَ بكَيلِ الطَّعامِ، هل لِلمُشتَرِي أنْ يَقبِضَه مِنه دونَ أنْ يَكيلَه وأنْ يَعمَلَ في ذلك على تَصديقِه؟

فقالَ مالِكٌ: ذلك جائِزٌ في السَّلَمِ وفي البَيعِ، بشَرطِ النَّقدِ، وإلَّا خِيفَ أنْ يَكونَ مِنْ بابِ الرِّبا، كأنَّه إنَّما صَدَّقَه في الكَيلِ؛ لِمَكانِ أنَّه أنظَرَه بالثَّمنِ.

وقالَ أبو حَنيفةَ والشافِعيُّ والثَّوريُّ والأوزاعيُّ واللَّيثُ: لا يَجوزُ ذلك حتى يَكيلَه البائِعُ لِلمُشتَرِي مَرَّةً أُخرى بعدَ أنْ كالَه لِنَفْسِه بحَضرةِ البائِعِ.

وحُجَّتُهم أنَّه لمَّا كانَ ليسَ لِلمُشتَرِي أنْ يَبيعَه إلَّا بعدَ أنْ يَكيلَه لَم يَكُنْ له أنْ يَقبِضَه إلَّا بعدَ أنْ يَكيلَه البائِعُ له؛ لأنَّه لمَّا كانَ مِنْ شَرطِ البَيعِ الكَيلُ كانَ كذلك القَبضُ، واحتَجُّوا بما جاءَ في الحَديثِ أنَّه نهَى عن بَيعِ الطَّعامِ حتى يَجريَ فيه الصَّاعانِ، صاعُ البائِعِ وصاعُ المُشتَرِي.

واختَلَفوا إذا هلَك الطَّعامُ في يَدِ المُشتَرِي قبلَ الكَيلِ، فاختَلَفا في الكَيلِ؛ فقالَ الشافِعيُّ: القَولُ قَولُ المُشتَرِي، وبه قالَ أبو ثَوْرٍ. وقالَ مالِكٌ: القَولُ قَولُ البائِعِ؛ لأنَّه قد صَدَّقَه المُشتَرِي عندَ قَبضِه إيَّاه، وهذا مَبنيٌّ عندَه على أنَّ البَيعَ يَجوزُ بتَصديقِه نَفْسِه (١).


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ١٥٦، ١٥٧)، و (٢/ ١١٩)، ويُنظر: «المبسوط» (١٢/ ١٦٦)، و «تبيين الحقائق» (٤/ ٨١، ٨٢)، و «البحر الرائق» (٦/ ١٢٨)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ١١١، ١١٢)، و «اللباب» (١/ ٣٩٦)، و «الذخيرة» (٥/ ١٣٧)، و «ابن عابدين» (٥/ ١٤٩)، و «شرح السنة» (٨/ ١١٠، ١١١)، و «الحاوي الكبير» (٥/ ٢٣١)، و «المهذب» (١/ ٣٠١، ٣٠٢)، و «مغني المحتاج» (٢/ ٥٤١)، و «حاشية عميرة على كنز الراغبين» (٢/ ٥٤٧)، و «المغني» (٤/ ٩٢، ٩٤)، و «شرح الزركشي» (٢/ ١٠٩)، و «المبدع» (٤/ ٢٠١)، و «فتح الباري» (٤/ ٣٥١)، و «نيل الأوطار» (٥/ ٢٦٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>