للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن ابنِ عمرَ أنَّه سُئلَ عن الرَّجُلِ يَشتَري الطَّعامَ وقد شَهِدَ كَيْلَه، قالَ: لا، حتى يَجرِىَ فيه الصَّاعانِ (١).

وعن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ قالَ: سَمِعتُ عُثمانَ يَخطُبُ على المِنبَرِ وهو يَقولُ: كُنْتُ أبتاعُ التَّمرَ مِنْ بَطنٍ مِنْ اليَهودِ، يُقالُ لَهم بَنو قَينُقاعَ، فأبيعُه برِبحٍ، فبلَغ ذلك رَسولَ اللَّهِ فقالَ: «يا عُثمانُ، إذا اشتَرَيتَ فاكتَلْ، وإذا بِعتَ فكِلْ» (٢).

فهذه الأحاديثُ تَدُلُّ على أنَّ مَنْ اشتَرَى شَيئًا مُكايَلةً، وقبَضه ثم باعَه إلى غيرِه، لَم يَجُزْ تَسليمُه بالكَيلِ الأوَّلِ، حتى يَكيلَه على مَنْ اشتَراه ثانيًا؛ لأنَّهما عَقدانِ يَفتقِرُ كلُّ واحِدٍ مِنهما إلى قَبضٍ، فلَم يَجُزْ أنْ يَكونَ القَبضُ الواحِدُ نايبًا عن العَقدَيْنِ؛ فعلى هذا يَكونُ القَبضُ نايبًا عَمَّا ابتاعَه، ولا يَنوبُ عَمَّا باعَه حتى يَستَأنِفَ كَيلَه عليه.

أمَّا إذا شاهَدَ المُشتَرِي الكَيلَ الأوَّلَ، وقالَ: خُذْه بهذا الكَيلِ الذي قد شاهَدتَه، فأخَذه به، صَحَّ عندَ الحَنفيَّةِ في الصَّحيحِ، والحَنابِلةِ في المَذهبِ؛ لأنَّه قد شاهَدَ كَيلَه وعَلِمَه، فلا مَعنَى لِاعتِبارِ كَيلِه مَرَّةً أُخرى، ولأنَّ المَبيعَ صارَ مَعلومًا بكَيلٍ واحِدٍ، وتَحقَّقَ مَعنَى التَّسليمِ، والحَديثُ مَحمولٌ على ما إذا اجتَمَعتِ الصَّفقَتانِ.

وعلى هذا لِلمُشتَرِي التَّصرُّفُ فيه بذلك، وليسَ له مُطالَبةُ البائِعِ بكَيلٍ، وإنِ ادَّعَى نُقصانَه لَم يُقبَلْ منه.


(١) رواه ابن أبي شيبة (٢٠٠٦٢).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الإمام أحمد في «مسنده» (٤٤٤، ٥٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>