للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَصَرَ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ الحُكمَ السَّابِقَ على البَيعِ الباتِّ، أو بشَرطِ الخِيارِ لِلمُشتَرِي؛ لأنَّ خِيارَ المُشتَرِي لا يَمنَعُ زَوالَ البَيعِ عن مِلكِ البائِعِ، بلا خِلافٍ؛ فلا يَمنَعُ صِحَّةَ القَبضِ؛ فلا يَمنَعُ تَقرُّرَ الثَّمنِ.

فإنْ كانَ البَيعُ بشَرطِ الخِيارِ لِلبائِعِ ذهَب الحَنفيَّةُ إلى أنَّ عليه ضَمانَ مِثلِه إنْ كانَ له مِثْلٌ، وقِيمَتِه إنْ لَم يَكُنْ له مِثْلٌ؛ لأنَّ خِيارَ البائِعِ يَمنَعُ زَوالَ السِّلعةِ عن مِلْكِه، بلا خِلافٍ؛ فكانَ المَبيعُ على حُكمِ مِلْكِ البائِعِ، ومِلْكُه مَضمونٌ بالمِثْلِ أو القِيمةِ.

وذهَب المالِكيَّةُ إلى أنَّ المُشتَريَ يَضمَنُ الأكثَرَ مِنْ الثَّمنِ والقِيمةِ؛ لأنَّه إذا كانَ الثَّمنُ أكثَرَ كانَ لِلبائِعِ أنْ يُجيزَ البَيعَ في زَمَنِ الخِيارِ؛ لِمَا له فيه مِنْ الخِيارِ، وإنْ كانَتِ القِيمةُ أكثَرَ مِنْ الثَّمنِ فلِلبائِعِ أنْ يَرُدَّ البَيعَ؛ لِمَا له فيه مِنْ الخِيارِ، ويَأخُذَ القِيمةَ، لا فَرقَ في ذلك بينَ أنْ يَكونَ التَّلَفُ عَمدًا أو خَطَأً، إلَّا أنْ يَحلِفَ المُشتَرِي أنَّه ضاعَ بغيرِ تَفريطٍ أو تلِف بغيرِ سَبَبِه؛ فإنَّه يَضمَنُ الثَّمنَ دونَ التِفاتٍ إلى القِيمةِ، وهذا إذا كانَتِ القِيمةُ أكثَرَ مِنْ الثَّمنِ؛ فإنْ كانَ الثَّمنُ أكثَرَ مِنْ القِيمةِ أو مُساويًا لَها ضِمنَ الثَّمنِ مِنْ غيرِ يَمينٍ (١).

وإذا كانَ التَّلَفُ بفِعلِ أجنَبيٍّ فَعليه ضَمانُه بلا خِلافٍ بينَ الفُقهاءِ، سَواءٌ أكانَ الإتلافُ عَمدًا أم خَطأً؛ لأنَّه أتَلَفَ مالًا مَملوكًا لِغيرِه بغيرِ إذْنِه، ولا يَدَ له عليه؛ فيَكونُ مَضمونًا عليه ببَدَلِه، أي: بمِثلِه، إنْ كانَ مِثليًّا، وإلَّا فبقِيمَتِه.


(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ٢٣٨)، و «حاشية ابن عابدين» (٤/ ٤٢)، و «حاشية الدسوقي» (٣/ ٢٤٣، ٢٥٢)، و «بلغة السالك» (٣/ ١٤١، ١٤٣)، و «مغني المحتاج» (٢/ ٦٦)، و «كشاف القناع» (٣/ ٢٨٠، ٢٨٤)، و «المغني» (٦/ ١٨١، ١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>