للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيعُها مُطلَقًا، وبشَرطِ القَطعِ وبشَرطِ التَّبقيةِ عندَ جُمهورِ العُلماءِ؛ لِمَفهومِ هذه الأحاديثِ، ولأنَّ ما بعدَ الغايةِ يُخالِفُ ما قبلَها إذا لَم يَكُنْ مِنْ جِنسِها، ولأنَّ الأغلَبَ فيها السَّلامةُ، بخِلافِ ما قبلَ الصَّلاحِ.

فأمَّا أبو حَنيفةَ فإنَّه قالَ: إذا باعَ الثَّمرةَ بعدَ بُدُوِّ صَلاحِها بشَرطِ التَّبقيةِ فالبَيعُ فاسِدٌ؛ لأنَّه شَرطٌ لا يَقتَضيه العَقدُ، وهو شَغلُ مِلكِ الغيرِ، أو هو صَفقةٌ في صَفقةٍ، وهو إعارةٌ أو إجارةٌ في بَيعٍ؛ لأنَّه إنْ كانَ بمُقابَلةِ مَنفَعةِ التَّركِ بَعضُ البَدَلِ فهو إجارةٌ مَشروطةٌ في البَيعِ، وإنْ لَم يَكُنْ بمُقابَلَتِها شَيءٌ مِنْ البَدَلِ فهو إعارةٌ مَشروطةٌ في العَقدِ، وكُلُّ واحِدٍ مِنهما مُفسِدٌ لِلعَقدِ، وكذا بَيعُ الزَّرعِ بشَرطِ التَّركِ، وإنِ اشتَرَى بشَرطِ القَطعِ فالبَيعُ صَحيحٌ؛ فإنْ ترَكها برِضا البائِعِ فما زادَ في الثِّمارِ مِنْ نَماءِ ثَمَرةِ الأُصولِ فإنَّ ذلك النَّماءَ لِلمُشتَرِي.

ثم اختلَف الفُقهاءُ فيما إذا اشتَراها قبلَ بُدُوِّ الصَّلاحِ، ولَم يَشترَطْ قَطعَها ولا تَبقيَتَها:

فقالَ جُمهورُ العُلماءِ، مالِكٌ والشافِعيُّ وأحمدُ: البَيعُ باطِلٌ؛ لأنَّ إطلاقَ العَقدِ يَقتَضي التَّبقيةَ، فيَصيرُ العَقدُ المُطلَقُ كالَّذي شُرِطَتْ فيه التَّبقيةُ، يَتناوَلُهما النَّهيُ جَميعًا، ويَصحُّ تَعليلُهما بالعِلَّةِ التي عَلَّلَ بها النَّبيُّ مِنْ مَنعِ الثَّمرةِ وهَلاكِها.

وقالَ أبو حَنيفةَ: البَيعُ صَحيحٌ، ويُؤمَرُ بقَطعِها تَفريغًا لِمِلكِ البائِعِ؛ لأنَّ إطلاقَ العَقدِ يَقتَضي القَطعَ، فهو كما لو اشتَرطَه؛ فإنْ ترَكها بإذْنِ البائِعِ طابَ له الفَضلُ؛ لأنَّه تَبرُّعٌ عليه بمَنافِعِ أرضِه، وإنْ ترَكها بغيرِ إذْنِه فعليه أنْ يَتصدَّقَ بالفَضلِ؛ لأنَّه حصَل له بكَسْبٍ خَبيثٍ فإنَّه غاصِبٌ لِلأرضِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>