للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكنَّهمُ اختَلَفوا في المُرادِ ببَيعَتَيْنِ في بَيعةٍ:

فقالَ المالِكيَّةُ: أي: بَيعَتانِ حاصِلَتانِ في بَيعةٍ، أو ناشِئَتانِ بسَبَبِ بَيعةٍ؛ فإنَّه فاسِدٌ؛ لِلنَّهيِ عنه؛ لِلجَهلِ بالثَّمنِ حالَ العَقدِ، بأنْ يَبيعَها المالِكُ بشَرطِ إلزامٍ لِلمُشتَرِي أو لِلبائِعِ بالشِّراءِ، وأنَّه ليسَ له تَرْكُه على وَجْهٍ يَتردَّدُ فيه النَّظَرُ ويَحصُلُ به الغَرَرُ، كبَيعِها بخَمسةٍ مِنْ الدَّراهِمِ مَثَلًا نَقدًا، أو بأكثَرَ مِنها، كعَشَرةٍ لِأجَلٍ، كشَهرٍ، والحالُ أنَّهما دخَلا على أنَّ السِّلعةَ قد لزِمتْه بأحَدِ الثَّمنَيْنِ، فيَرضَى المُشتَرِي ذلك، ويَأخُذُ السِّلعةَ مِنْ سُكوتٍ، ثم يَختارُ بعدَ تَمامِ العَقدِ، فهذا بَيعٌ فاسِدٌ، إنْ أُدرِكَ فُسِخَ، وإنْ قُبِضتِ السِّلعةُ وفاتَتِ رَدَّ قابضُها قِيمَتَها يَومَ قَبضِها؛ بالِغةً ما بَلَغتْ.

وإنَّما مُنِعَ ذلك لِلغَرَرِ؛ لأنَّ البائِعَ لا يَدْري بِمَ باعَ، والمُشتَرِيَ لا يَدْري ما اشتَرَى، ولِذلك لو عُكِسَ التَّصويرُ كانَ يَبيعُها بعَشَرةٍ نَقدًا، أو بخَمسةٍ لِأجَلٍ، لَجازَ؛ لعَدمِ التَّرَدُّدِ حينَئذٍ؛ لأنَّ العاقِلَ إنَّما يَختارُ البَيعَ إلى أجَلٍ بالثَّمنِ القَليلِ، وتَسميةُ ذلك العَقدِ بَيعَتَيْنِ باعتِبارِ تَعدُّدِ الثَّمنِ؛ فإنْ كانَ البَيعُ على أنَّ المُشتَريَ بالخيارِ فيهما جَميعًا بينَ أنْ يَأخُذَ بأيَّتِهما شاءَ، وبينَ أنْ يَرُدَّهما جَميعًا، كأنْ قالَ له: بِعتُكَ هذه السِّلعةَ بخَمسةٍ حالَّةٍ، وبعَشَرةٍ مُؤجَّلةٍ، على أنْ يَكونَ لَكَ الخِيارُ، فذلك جائِزٌ، وليسَ مِنْ بابِ بَيعَتَيْنِ في بَيعةٍ؛ لأنَّ البَيعَ هَهُنا نافِذٌ، وقَع على شَيءٍ بعَينِه يَختارُه مِنْ شَيئَيْنِ مَعلومَيْنِ له الخِيارُ في أحَدِهما، والسِّلعةُ الأُولَى لَم يَقَعْ شِراؤُها على شَيءٍ بعَينِه بقَطعٍ أو خِيارٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>