الشَّريعةِ وكَمالِها؛ فإنَّ مُقابَلةَ ماءِ الفَحلِ بالأثمانِ وجَعلَه مَحَلًّا لِعُقودِ المُعاوَضاتِ ممَّا هو مُستقبَحٌ ومُستهجَنٌ عندَ العُقَلاءِ، وفاعِلُ ذلك عندَهم ساقِطٌ مِنْ أعيُنِهم في أنْفُسِهم، وقد جعَل اللَّهُ ﷾ فِطَرَ عِبادِه لا سيَّما المُسلِمينَ مِيزانًا لِلحَسَنِ والقَبيحِ، فما رَآه المُسلِمونَ حَسَنًا فهو عندَ اللَّهِ ﷾ حَسَنٌ، وما رَآه المُسلِمونَ قَبيحًا فهو عندَ اللَّهِ ﷾ قَبيحٌ.
ويَزيدُ هذا بَيانًا أنَّ ماءَ الفَحلِ لا قِيمةَ له، ولا هو ممَّا يُعاوَضُ عليه، ولِهَذا لو نَزا فَحلُ الرَّجُلِ على رَمَكةِ غيرِه فأوْلَدَها فالوَلَدُ لِصاحِبِ الرَّمَكةِ اتِّفاقًا؛ لأنَّه لَم يَنفصِلْ عن الفَحلِ إلَّا مُجرَّدُ الماءِ، وهو لا قِيمةَ له؛ فحَرَّمتْ هذه الشَّريعةُ الكامِلةُ المُعاوَضةَ على ضِرابِه؛ لِيَتناوَلَه النَّاسُ بينَهم مَجَّانًا؛ لِمَا فيه مِنْ تَكثيرِ النَّسلِ المُحتاجِ إليه مِنْ غيرِ إضرارٍ بصاحِبِ الفَحلِ ولا نُقصانٍ مِنْ مالِه.
فإنْ قيلَ: فإذا أهدَى صاحِبُ الأُنثَى إلى صاحِبِ الفَحلِ هَديَّةً، أو ساقَ إلَيه كَرامةً فهل له أخْذُها؟
قيلَ: إنْ كانَ ذلك على وَجْهِ المُعاوَضةِ والِاشتِراطِ في الباطِنِ لَم يَحِلَّ له أخْذُه، وإنْ لَم يَكُنْ كذلك فلا بَأْسَ به، قالَ أصحابُ أحمدَ وأصحابُ