التَّقريرُ، كما قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (١٧)﴾ [طه: ١٧]، فلَم يَكُنْ ذلك استِفهامًا مِنْ اللَّهِ تَعالى، وإنَّما كانَ تَقريرًا على موسى ﷺ، كذلك هذا السُّؤالُ مِنْ رَسولِ اللَّهِ ﷺ على وَجْهِ التَّقريرِ؛ لِيُنبِّهَ به على العِلَّةِ، وأنَّ كُلَّ ما يَنقُصُ إنْ يَبِسَ مِنْ سائِرِ الأجناسِ، فلا يَجوزُ بَيعُ بَعضِه ببَعضٍ، ولو أجابَ مِنْ غيرِ تَقريرٍ لَكانَ الجَوابُ مَقصورًا على السُّؤالِ، وسَواءٌ كانَ الرُّطَبُ في النَّخلِ أو في الأرضِ إذا بِيعَ بتَمرٍ مَجهولٍ فإنَّه يَكونُ مُزابَنةً.
ولأنَّه جِنسٌ فيه الرِّبا بِيعَ مِنه ما هو على هَيئةِ الِادِّخارِ، بما هو مِنه على غيرِ هَيئةِ الِادِّخارِ على وَجْهٍ يَتفاضَلانِ فيه في حالِ الِادِّخارِ؛ فوجَب ألَّا يَجوزَ أصْلُه، بَيعُ الحِنطةِ بدَقيقِها، أو بالحِنطةِ المَقليَّةِ.
ومَعنَى:(على وَجْهٍ يَتفاضَلانِ فيه في حالِ الادِّخارِ): احتِرازٌ مِنْ العُريةِ؛ لأنَّهما على صِفةٍ لا يَتفاضَلانِ فيها في حالِ الِادِّخارِ، وذلك أنَّ الرُّطَبَ على النَّخلِ يُخرَصُ؛ فيُنظَرُ: كم هو، ثم يَنقُصُ مِنه ما يَنقُصُ في حالِ الجَفافِ، ثم يُباعُ بمِثلِ ذلك تَمرًا (١).
(١) «الهداية» (٣/ ١٦٤)، و «شرح فتح القدير» (٧/ ٢٧، ٢٨)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ١٢٩)، و «الاختيار» (٢/ ٣٨)، و «اللباب» (٤٠٤)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٧٢)، و «خلاصة الدلائل» (٢/ ٨٧)، و «التمهيد» (١٩/ ١٧٦، ١٨٠)، و «شرح ابن بطال» (٦/ ٣٢٨)، و «البيان والتحصيل» (٧/ ٤٢٩)، و «الأم» (٣/ ٧٩)، و «الحاوي الكبير» (٥/ ١٣٠، ١٣٤)، و «المهذب» (١/ ٢٧٤)، و «الديباج» (٢/ ٣٤، ٣٥)، و «البيان» (٥/ ١٩٩، ٢٠١)، و «مغني المحتاج» (٢/ ٤٥٣)، و «نهاية المحتاج» (٣/ ٥٠١)، و «المغني» (٤/ ٣٢)، و «الكافي» (٢/ ٦٣)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٢٠)، و «المبدع» (٤/ ١٣٧)، و «كشاف القناع» (٣/ ٢٩٧).