للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«فَإذا اختَلَفتْ هذه الأصنافُ فبِيعوا كيفَ شِئتُم إذا كانَ يَدًا بيَدٍ» (١).

ولأنَّ الرُّطَبَ نَوعٌ مِنْ التَّمرِ يَنقُصُ باليُبسِ وطُولِ المُكثِ، فلَم يَجُزْ أنْ يَكونَ ذلك مانِعًا مِنْ بَيعِه بتَمرٍ مِنْ جِنسِه هو أكثَرُ مِنْ يُبْسِه، كما جازَ بَيعُ التَّمرِ الحَديثِ بالتَّمرِ العَتيقِ، وإنْ كانَ الحَديثُ يَنقُصُ إذا صارَ كالعَتيقِ.

ولأنَّ التَّماثُلَ في الجِنسِ مُعتبَرٌ بحالِ العَقدِ، ولا اعتِبارَ بحُدوثِ التَّفاضُلِ فيما بَعدُ، كالسِّمسِمِ، يَجوزُ بَيعُه بالسِّمسِمِ إذا تَماثَلَا، وإنْ جازَ بعدَ استِخراجِهما دُهنًا أنْ يَتفاضَلَا.

ولأنَّه لمَّا جازَ بَيعُ العَرايا -وهي تَمرٌ برُطَبٍ على رُؤوسِ النَّخلِ، لا يُقدَرُ على تَماثُلِهما كَيلًا إلَّا بالخَرصِ-، كانَ بَيعُ التَّمرِ بالرُّطَبِ المَقدورِ على تَماثُلِهما بالكَيلِ أجْوَزَ، وهو مِنْ الرِّبا أبعَدُ.

وذهَب جُمهورُ العُلماءِ المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ والصَّاحِبانِ مِنْ الحَنفيَّةِ أبو يُوسفَ ومُحمَّدٌ إلى عَدَمِ جَوازِ بَيعِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ، وعَدَمِ جَوازِ بَيعِ العِنَبِ بالزَّبيبِ؛ لِحَديثِ سَعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ أنَّ النَّبيَّ سُئلَ عن بَيعِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ، فقالَ : «أيَنقُصُ الرُّطَبُ إذا يَبِسَ؟»، قالوا: نَعَمْ. فنهَى عن ذلك (٢). وهذا السُّؤالُ -وإنْ خرَج مَخرَجَ الِاستِفهامِ- ليسَ المَقصودُ به الِاستِفهامَ، وإنَّما قُصِدَ به


(١) رواه مسلم (١٥٨٧).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٣٥٩)، والترمذي (١٢٢٥)، والنسائي (٤٥٤٥)، وابن ماجه (٢٢٦٤)، وأحمد (١/ ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>