للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم الصَّحيحُ مِنْ المَذهبِ أنَّ المُعلَّمَ وغيرَ المُعلَّمِ إذا كانَ بحيثُ يَقبَلُ التَّعليمَ سَواءٌ في حُكمِ البَيعِ، حتى ذُكِرَ في النَّوادِرِ: لو باعَ جَرْوًا جازَ بَيعُه؛ لأنَّه يَقبَلُ التَّعليمَ؛ فأمَّا الذي لا يَجوزُ بَيعُه العَقورُ مِنها، الذي لا يَقبَلُ التَّعليمَ؛ لأنَّه عَينٌ مُؤذيةٌ غيرُ مُنتفَعٍ بها؛ فلا يَكونُ مالًا مُتقَّوَمًا كالذِّئبِ، وهكذا يَقولُ في الأسَدِ، إنْ كانَ بحيثُ يَقبَلُ التَّعليمَ ويَصطادُ به، فبَيعُه جائِزٌ، وإنْ كانَ لا يَقبَلُ ذلك ولا يُنتفَعُ به فحينَئذٍ لا يَجوزُ بَيعُه، والفَهدُ والبازِي يَقبَلانِ التَّعليمَ على كلِّ حالٍ، فجازَ بَيعُهما كذلك.

وعن جابرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ «أنَّ النَّبيَّ نهَى عن بَيعِ الكَلبِ والسِّنَّوْرِ» (١)، وقالَ أبو يُوسفَ : يَنقُضُ هذا الحَديثَ في السِّنَّوْرِ حَديثُه أنَّه كانَ يُصَفِّي لَها الإناءَ فتَشرَبُ مِنه، وهو مَشهورٌ عنه، وحَديثُ عُروةَ عن عائِشةَ أنَّ النَّبيَّ كانَ يُصَفِّي الإناءَ لِلهِرِّ؛ لِيَشرَبَ مِنه ثم يَتوَضَّأُ.

وفي هذا دَليلٌ على أنَّها ليسَتْ بنَجِسةٍ، وقد نصَّ على ذلك بقَولِه : «إنَّها ليسَتْ بنَجِسةٍ، إنَّها مِنْ الطَّوَّافينَ عليكم والطَّوَّافاتِ»، ويَجوزُ الِانتِفاعُ بها مِنْ غيرِ ضَرورةٍ، وما يَكونُ بهذه الصِّفةِ فهو مالٌ مُتقوَّمٌ يَجوزُ بَيعُه، والنَّهيُ إنْ ثبَت مَحمولٌ على أنَّه كانَ في الِابتِداءِ (٢).


(١) رواه مسلم (١٥٦٩).
(٢) «المبسوط» (١١/ ٢٣٤، ٢٣٦)، ويُنظر: «البدائع» (٦/ ٥٥٨)، و «الاختيار» (٢/ ١١)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٧٢، ١٥٤)، و «الهداية» (٣/ ٧٩)، و «حاشية ابن عابدين» (٧/ ١٠٥)، و «اللباب» (١/ ٤١٢)، و «أحكام القرآن» للجصاص (٣/ ٣٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>