وحُجَّتُنا في ذلك ما رَواه إبراهيمُ مِنْ الرُّخصةِ، وذلك بعدَ النَّهيِ والتَّحريمِ فيه يَتبيَّنُ تَيسيرُ انتِساخِ ما رُويَ مِنْ النَّهيِ، وهذا لأنَّهم كانوا ألِفوا اقتِناءَ الكِلابِ وكانَتِ الكِلابُ فيهم تُؤذي الضَّيفانَ والغُرَباءَ، فنُهُوا عن اقتِنائِها، فشَقَّ ذلك عليهم؛ فأُمِروا بقَتلِ الكِلابِ ونُهُوا عن بَيعِها تَحقيقًا لِلزَّجرِ عن العادةِ المَألوفةِ، ثم رُخِّصَ لَهم بعدَ ذلك في ثَمَنِ المُنتَفَعِ به مِنْ الكِلابِ، وهو كَلبُ الصَّيدِ، وكَلبُ الحَرثِ، وكَلبُ الماشيةِ.
وقد جاءَ في حَديثِ عَبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ ﵄ أنَّ النَّبيَّ ﷺ نهَى عن بَيعِ الكَلبِ إلَّا كَلبَ الصَّيدِ والحَرثِ والماشيةِ. ورُويَ أنَّه قَضَى في كَلبِ الصَّيدِ بأربَعينَ دِرهَمًا، وفي كَلبِ الحَرثِ بفَرقٍ مِنْ طَعامٍ، وفي كَلبِ الماشيةِ بشاةٍ مِنها.
وعن عُثمانَ ﵁ أنَّه قضَى على رَجُلٍ أتلَفَ كَلبًا لِامرَأةٍ بعِشرينَ بَعيرًا، والحَديثُ له قِصَّةٌ مَعروفةٌ.
وإذا ثبَت أنَّه مالٌ مُتقوَّمٌ وهو مُنتَفَعٌ به شَرعًا، جازَ بَيعُه، كَسائِرِ الأموالِ، وبَيانُ كَونِه مُنتفَعًا به أنَّه يَحِلُّ الِانتِفاعُ به في حالةِ الِاختيارِ، ويَجوزُ تَمليكُه بغيرِ عِوَضٍ في حالةِ الحَياةِ بالهِبةِ، وبعدَ المَوتِ بالوَصيَّةِ؛ فيَجوزُ تَمليكُه بالعِوَضِ أيضًا، وبِهَذا يَتبيَّنُ أنَّه ليسَ بنَجِسِ العَينِ؛ فإنَّ الِانتِفاعَ بما هو نَجِسُ العَينِ لا يَحِلُّ في حالةِ الِاختِيارِ، كالخَمرِ، ولا يَجوزُ تَمليكُه قَصدًا بالهِبةِ والوَصيَّةِ.