للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَفهومُ مِنْ لُغةِ العَرَبِ، ومِنَ العُرفِ المُطَّرِدِ، وفي صَحيحِ مُسلِمٍ عن بُريدةَ بن الخَصيبِ الأسلَميِّ قالَ: قالَ رَسولُ اللَّهِ : «مَنْ لَعِبَ بالنَّردَشيرِ فكَأنَّما صَبَغَ يَدَه في لَحمِ الخِنزيرِ ودَمِه» (١)، فإذا كانَ هذا التَّنفيرُ لِمُجرَّدِ اللَّمسِ؛ فكَيفَ يَكونُ التَّهديدُ والوَعيدُ الأكيدُ على أكلِه والتَّغَذِّي به؟

وفيه دِلالةٌ على شُمولِ اللَّحمِ لِجَميعِ الأجزاءِ مِنْ الشَّحمِ وغيرِه (٢).

وفَصَّلَ الحَنفيَّةُ في حُكمِ بَيعِ الخِنزيرِ، فهو عندَهم باطِلٌ إذا بِيعَ بدَراهِمَ أو دَنانيرَ، وفاسِدٌ إذا بِيعَ بعَينٍ، على قَولِهم بالتَّفريقِ بينَ البُطلانِ والفَسادِ، والفَرقُ بينَ بَيعِه بدَراهِمَ أو دَنانيرَ، وبينَ بَيعِه بعَينٍ، أنَّ الشَّرعَ أمَرَ بإهانةِ الخِنزيرِ وتَرْكِ إعزازِه، وفي شِرائِه بدَراهِمَ أو دَنانيرَ إعزازٌ له، لأنَّها غيرُ مَقصودةٍ في العَقدِ؛ لِكَونِها وَسيلةً لِلتَّملُّكِ، وإنَّما المَقصودُ الخِنزيرُ، ولِذا كانَ بَيعُه بهما باطِلًا ويُسقِطُ التَّقوُّمَ.

أمَّا إذا بِيعَ بعَينٍ، كالثِّيابِ؛ فقد وُجِدتْ حَقيقةُ البَيعِ، لأنَّه مُبادَلةٌ مالٍ بمالٍ، والخِنزيرُ يُعتبَرُ مالًا في بَعضِ الأحوالِ، كما هو عندَ أهلِ الكِتابِ، إلَّا أنَّه في هذه الصُّورةِ يُعتبَرُ كُلٌّ مِنهما ثَمَنًا ومَبيعًا، ورُجِّحَ اعتِبارُ الثَّوبِ مَبيعًا تَصحيحًا لِتَصرُّفِ العُقَلاءِ الذي يَقضي بأنْ يَكونَ الإعزازُ لِلثَّوبِ، وهو المَقصودُ بالعَقدِ، لا الخِنزيرُ، فتَكونُ تَسميةُ الخِنزيرِ في العَقدِ مُعتبَرةً في


(١) رواه مسلم (٢٢٦٠).
(٢) «تفسير ابن كثير» (٢/ ٩، ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>