للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ القُرطُبيُّ : أجمَعَ المُسلِمونَ على تَحريمِ بَيعِ الخَمرِ والدَّمِ (١).

وعن عائِشةَ قالَتْ: لمَّا أُنْزِلَتِ الآياتُ مِنْ آخِرِ سُورةِ البَقَرةِ قرَأهُنَّ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في المَسجِدِ، وحرَّم التِّجارةَ في الخَمرِ (٢).

قالَ ابنُ القيِّمِ : وحرَّم التِّجارةَ في الخَمرِ وإنْ كانَ إنَّما يَبيعُها مِنْ كافِرٍ يَستحِلُّ شُربَها؛ فإنَّ التِّجارةَ فيها ذَريعةٌ إلى اقتِنائِها وشُربِها، ولِهَذا لمَّا نَزَلتِ الآياتُ في تَحريمِ الرِّبا قَرَأها عليهم رَسولُ اللَّهِ وقَرَنَ بها تَحريمَ التِّجارةِ في الخَمرِ؛ فإنَّ الرِّبا ذَريعةٌ إلى إفسادِ الأموالِ، والخَمرَ ذَريعةٌ إلى إفسادِ العُقولِ، فجَمَعَ بينَ تَحريمِ التِّجارةِ في هذا وهذا (٣).

قالَ ابنُ بطَّالٍ : قالَ الطَّبرِيُّ: فإنْ قيلَ: ما وَجْهُ قَولِه في بَيع الخَمرِ: «لعَن اللَّهُ اليَهودَ؛ إنَّ اللَّهَ لمَّا حرَّم شُحومَها جَمَلوه ثم باعوه فأكَلوا ثَمَنَه»، وأنتَ تَعلَمُ أنَّ أشياءَ كَثيرةً حرَّم اللَّهُ أكْلَها، ولَم تَحرُمْ أثمانُها، كالحُمُرِ الأهليةِ وسِباعِ الطَّيرِ، كالعِقبانِ والبُزاةِ وشِبهِها؟

قُلتُ: المَعنَى الذي خالَفَ بينَهما مع اشتِباهِهما في الوَجهِ الذي وَصَفتَ بَيِّنٌ، وهو أنَّ اللَّهَ جعَل الخَمرَ والخِنزيرَ نَجِسَيْنِ؛ فحُكمُهما في أنَّه لا يَحِلُّ بَيعُهما ولا شِراؤُهما، ولا أكْلُ أثمانِهما حُكمُ سائِرِ النَّجاساتِ


(١) «تفسير القرطبي» (٦/ ٢٨٩).
(٢) «الإجماع» (٤٧٠).
(٣) «إغاثة اللهفان» (١/ ٣٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>