للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الأجَلِ، ويُسقَطُ عن الذي يُعجِّلُ الدَّيْنَ قبلَ مَحِلِّه، فهَذانِ -وإنْ كانَ أحَدُهما عَكسَ الآخَرِ- مُجتَمِعانِ في المَعنَى الذي وَصَفْنا (١).

وقالَ أبو بَكرٍ الجَصَّاصُ : والَّذي يَدلُّ على بُطلانِ ذلك شَيئانِ:

أحَدُهما: تَسميةُ ابنِ عمرَ إيَّاه رِبًا، وقد بيَّنا أنَّ أسماءَ الشَّرعِ تَوقيفٌ.

والآخَرُ: أنَّه مَعلومٌ أنَّ رِبا الجاهِليَّةِ إنَّما كانَ قَرضًا مُؤجَّلًا بزيادةٍ مَشروطةٍ، فكانَتِ الزِّيادةُ بَدَلًا مِنْ الأجَلِ، فأبطَلَه اللَّهُ تَعالى وحرَّمه، وقالَ: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٩].

وقال تعالى: ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٨]، فحَظَرَ أنْ يُؤخَذَ لِلأجَلِ عِوَضٌ، فإذا كانَتْ عليه ألْفُ دِرهَمٍ مُؤجَّلةٌ فوَضَعَ عنه على أنْ يُعجِّلَه، فإنَّما جعَل الحَطَّ بحِذاءِ الأجَلِ، فكانَ هذا هو مَعنَى الرِّبا الذي نصَّ اللَّهُ تَعالى على تَحريمِه، ولا خِلافَ أنَّه لو كانَ عليه ألْفُ دِرهَمٍ حالَّةٌ فقالَ له: أجِّلْني وأزيدُكَ فيها مِئةَ دِرهَمٍ، لا يَجوزُ؛ لأنَّ المِئةَ عِوَضٌ مِنْ الأجَلِ، كذلك الحَطُّ في مَعنَى الزِّيادةِ؛ إذ جعَله عِوَضًا مِنْ الأجَلِ، وهذا هو الأصلُ في امتِناعِ جَوازِ أخْذِ الأبدالِ عن الآجالِ (٢).

فَحُرمةُ رِبا النَّساءِ ليسَتْ إلَّا لِشُبهةِ مُبادَلةِ المالِ بالأجَلِ، وإذا كانَتْ شُبهةُ الرِّبا مُوجِبةً لِلحُرمةِ فحَقيقَتُه أوْلَى بذلك.


(١) «الاستذكار» (٦/ ٤٨٨)، و «الكافي» (١/ ٣٢٤).
(٢) «أحكام القرآن» (٢/ ١٨٦، ١٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>