٣ - وكذا لا رِبا بينَ شَخصَيْنِ أسلَما في دارِ الحَربِ ولَم يُهاجِرا إلينا عندَ أبي حَنيفةَ، خِلافًا لَهُما.
وأمَّا إذا هاجَرَ إلَينا ثم عادَ إليهم لَم يَجُزِ الرِّبا معه؛ لِكَونِه أحرَزَ مالَه بدارِنا، فكانَ مِنْ أهلِ دارِ الإسلامِ.
وكَذا الحُكمُ إذا تَبايَعا بَيعًا فاسِدًا في دارِ الحَربِ، فهو جائِزٌ، كما إذا باعَ مِنهم مَيْتةً أو خِنزيرًا، أو قامَرَهم وأخَذ المالَ، فإنَّه يَحِلُّ عندَ أبي حَنيفةَ ومُحمَّدٍ؛ لأنَّ مالَهم مُباحٌ بغيرِ عَقدٍ، فالعَقدُ الفاسِدُ أوْلَى.
ولأنَّ أبا بَكرٍ ﵁ خاطَرَ قُرَيشًا قبلَ الهِجرةِ حينَ أنزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣)﴾ [الروم: ١ - ٣]، وقالَتْ قُرَيشٌ: أتُروْنَ أنَّ الرُّومَ تُغلَبُ؟ قالَ ﵁: نَعَمْ. فقالوا: هل لَكَ أنْ تُخاطِرَنا في ذلك؟ فأخبَرَ ﵁ النَّبيَّ ﷺ، فقالَ:«اذهَبْ إليهم فزِدْ في الخَطَرِ، وزِدْ في الأجَلِ»، ففعَل، وغَلَبتِ الرُّومُ فارِسًا، فأخَذ أبو بَكرٍ ﵁ خَطَرَه، فأقَرَّه النَّبيُّ ﷺ، وهو القِمارُ بعَينِه (١). وكانَتْ مَكَّةُ في ذلك الوَقتِ دارَ حَربٍ، فدَلَّ ذلك على أنَّ لِلمُسلِمِ أخْذَ مالِ الحَربيِّ في دارِ الحَربِ ما لَم يَكُنْ غَدرًا.
(١) أورَده الزَّمخشرِيُّ في «الكشاف» وقال ابنُ حجرٍ في تخريجِه: «قصةُ أبي بكرٍ في المراهنَةِ رواها التِّرمذِيُّ وغيرُه من حديث نيارِ بن مكرمٍ الأسلَميِّ وسياقُها مُخالِفٌ لسياقِ هذه القصَّةِ».