للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو أيضًا ما ذهَب إليه بَعضُ مُتأخِّري الحَنفيَّةِ في بلادِ ما وَراءَ النَّهرِ في الدَّراهِمِ المَغشوشةِ التي كانَتْ تُسَمَّى الغَطارِفةَ والعِدالَيْ، فأفتَوْا بوُجوبِ الزَّكاةِ فيها، وكانوا يَقولونَ: إنَّها مِنْ أعَزِّ النُّقودِ فينا، بمَنزِلةِ الفِضَّةِ فيهم، ونحن أعرَفُ بنُقودِنا.

وكذا أفتَوْا بعَدَمِ جَوازِ بَيعِ هذه النُّقودِ بجِنسِها مُتفاضِلًا، مُعلِّلينَ ذلك بأنَّها أعَزُّ الأموالِ في ديارِهِم.

قالَ الإمامُ الزَّيلَعيُّ : ومَشايِخُنا لَم يُفتوا بجَوازِ التَّفاضُلِ في الغَطارِفةِ، والعِدالَيْ، وإنْ كانَ الأغلَبُ فيها الغِشَّ؛ لأنَّها أعَزُّ الأموالِ في دِيارِهم في ذلك الزَّمانِ، فلو أُبيحَ التَّفاضُلُ فيها لانفَتَحَ بابُ الرِّبا (١).

وقالَ ابنُ عابدِينَ : قالَ المُصَنِّفُ -أي: صاحِبُ الهِدايةِ-:


=الفُلوسُ بجوارِ النَّقدَينِ يَتعاملُ الناسُ بالصِّنفَينِ جميعًا ولم تكنِ الفُلوسُ هي المَتداوَلةِ رسميًّا في العُصورِ السَّالفةِ، أمَّا في زمنِنا هذا فلا يتُعاملُ إلا بالأوراقِ النَّقديةِ ولو كانتِ الفُلوسُ تَداولُها كواقعِنا اليومَ لألحَقوها بهما، ولا شكَّ الآنَ أنها تأخذُ حُكمَ الذَّهبِ والفضَّةِ فيجرِي فيها الرِّبا وإلا مَنعْنا فيها الزَّكاةَ، وهذا ما صرَّح به صاحبُ الانتصارِ من الحنابلةِ، قال ابنُ مُفلحٍ في «المبدع» (٤/ ١٣٠): قال في الانتِصارِ: يجبُ أن يقولوا إذا نفقت حتى لا يتُعامَلُ إلا بها أن فيها الرِّبا لكونِها ثمنًا غالبًا .. فالعِبرةُ في هذا هو تَعاملُ الناسِ حتى قال الإمامُ مالِكٌ كما في «المدونة الكبرى» (٨/ ٣٩٦): ولو أنَّ الناسَ أجازوا بينَهم الجُلودَ حتى يكونَ لها سكَّةٌ وعينٌ لكَرهتِها أن تُباعَ بالذهبِ والورِقِ نظرةً. فظاهرُ كلامِ الإمامِ مالِكٍ أنَّ المَرجعَ في ذلك راجعٌ إلى الناسِ وأعرافِهم. وهذا ما جرَت عليه المَجامعُ الفِقهيةُ الآنَ ولا خِلافَ فيه، واللهُ أعلمُ.
(١) «تبيين الحقائق» (٤/ ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>