قالَ: ومِن أصحابِنا مَنْ جَمَعَهما، قالَ: وكُلُّه قَريبٌ، وجَزَمَ المُصنِّفُ في التَّنبيهِ بأنَّهما قِيَمُ الأشياءِ، وأنكَرَه القاضي أبو الطَّيِّبِ وغيرُه، على ما قالَه مِنْ أصحابِنا، قالوا: لأنَّ الأوانيَ والتِّبرَ والحُلِيَّ يَجري فيها الرِّبا، وليسَتْ ممَّا يُقوَّمُ بها، ولنا وَجْهٌ ضَعيفٌ غَريبٌ: أنَّ تَحريمَ الرِّبا فيهما بعَينِهما، لا لِعِلَّةٍ، حَكاه المُتوَلِّي وغيرُه.
فَرعٌ: إذا راجَتِ الفُلوسُ رَواجَ النُّقودِ لَم يَحرُمِ الرِّبا فيها، هذا هو الصَّحيحُ المَنصوصُ عليه، وبِه قطَع المُصنِّفُ والجُمهورُ، وفيه وَجْهٌ شاذٌّ: أنَّه يَحرُمُ، حَكاه الخُراسانيُّونَ.
وأمَّا ما سِواها مِنْ المَوزوناتِ، كالحَديدِ والنُّحاسِ والرَّصاصِ والقُطنِ والكَتَّانِ والصُّوفِ والغَزَلِ وغيرِها، فلا رِبا فيها عندَنا، فيَجوزُ بَيعُ بَعضِها ببَعضٍ مُتفاضِلًا ومُؤجَّلًا، ولا خِلافَ في شَيءٍ مِنْ هذا عندَنا إلَّا وَجهًا حَكاه المُتوَلِّي والرَّافِعيُّ عن أبي بَكرٍ الأودَنِيِّ مِنْ أصحابِنا المُتقدِّمينَ أنَّه قالَ: لا يَجوزُ بَيعُ مالٍ بجِنسِه مُتفاضِلًا، سَواءٌ أكانَ مَطعومًا أم نَقدًا أم غيرَهما، وهذا شاذٌّ ضَعيفٌ (١).
ووَجهُه عندَ الحَنفيَّةِ: أنَّ عِلَّةَ الرِّبا هي القَدْرُ مع الجِنسِ، وهو الكَيلُ أو الوَزنُ المُتَّفقُ عندَ اتِّحادِ الجِنسِ والمُجانَسةِ، وإنْ وُجِدتْ ههُنا لَم يُوجَدِ القَدْرُ؛ لأنَّ الفُلوسَ تُباعُ بالعَدَدِ، وهذا إذا وقَع البَيعُ بأعيانِها.
وعلى ذلك يَجوزُ بَيعُ الفُلوسِ بَعضِها ببَعضٍ مُتفاضِلًا، كما يَجوزُ بَيعُ
(١) «المجموع» (٩/ ٣٨٠)، و «مغني المحتاج» (٢/ ٤٥١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute