للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّعامُ على المُحتاجِ، ويَشتَدُّ ضَرَرُه، وعامَّةُ أهلِ الأرضِ ليسَ عندَهم دَراهِمُ ولا دَنانيرُ، لا سيَّما أهلَ العَمودِ والبَوادي، وإنَّما يَتناقَلونَ الطَّعامَ بالطَّعامِ، فكانَ مِنْ رَحمةِ الشارِعِ بهم، وحِكمَتِه، أنْ مَنعَهم مِنْ رِبا النَّساءِ فيها، كما منَعهم مِنْ رِبا النَّساءِ في الأثمانِ، إذْ لو جُوِّزَ لَهم النَّساءُ فيها لَدخَلها (إمَّا أنْ تَقضيَ وإمَّا أنْ تُربيَ)، فيَصيرَ الصَّاعُ الواحِدُ -لو أُخِذَ- قُفزانًا كَثيرةً ففُطِموا عن النَّساءِ، ثم فُطِموا عن بَيعِها مُتفاضِلًا يَدًا بيَدٍ، إذْ تَجُرُّهم حَلاوةُ الرِّبحِ وظَفَرِ الكَسبِ إلى التِّجارةِ فيها نَساءً، وهو عَينُ المَفسَدةِ، وهذا بخِلافِ الجِنسَيْنِ المُتَبايِنَيْنِ، فإنَّ حَقائِقَهما وصِفاتِهما ومَقاصِدَهما مُختَلِفةٌ، ففي إلزامِهم المُساواةَ في بَيعِها إضرارٌ بهم، ولا يَفعَلونَه، وفي تَجويزِ النَّساءِ بينَها ذَريعةٌ إلى (إمَّا أنْ تَقضيَ وإمَّا أنْ تُربيَ)، فكانَ مِنْ تَمامِ رِعايةِ مَصالِحِهم أنْ قَصَرَهم على بَيعِها يَدًا بيَدٍ، كَيفَ شاؤوا، فحَصَلتْ لَهم مَصلَحةُ المُبادَلةِ واندَفَعتْ عنهم مَفسَدةُ (إمَّا أنْ تَقضيَ وإمَّا أنْ تُربيَ)، وهذا بخِلافِ ما إذا بِيعَتْ بالدَّراهِمِ، أو غيرِها مِنْ المَوزوناتِ نَساءً؛ فإنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى ذلك، فلو مُنِعوا مِنه لَأضَرَّ بهم، ولَامتَنَعَ السَّلَمُ الذي هو مِنْ مَصالِحِهم فيما هم مُحتاجونَ إليه أكثَرَ مِنْ غيرِهم، والشَّريعةُ لا تَأتي بهذا، وليسَ بهم حاجةٌ إلى بَيعِ هذه الأصنافِ بَعضِها ببَعضٍ نَساءً، وهو ذَريعةٌ قَريبةٌ إلى مَفسَدةِ الرِّبا، فأُبيحَ لَهم في جَميعِ ذلك ما تَدعو إليه حاجَتُهم، وليسَ بذَريعةٍ إلى مَفسَدةٍ راجِحةٍ، ومُنِعوا ممَّا لا تَدعو الحاجةُ إليه، ويُتذرَّعُ به في الأغلَبِ إلى مَفسَدةٍ راجِحةٍ.

يُوضِّحُ ذلك أنَّ مَنْ عندَه صِنفٌ مِنْ هذه الأصنافِ وهو مُحتاجٌ إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>