صاحِبُه تَناقَضَ الصَّرفُ ورجَع كلُّ واحِدٍ مِنهما إلى نَقدِه، وإنْ رَضيَ بالعَيبِ صَحَّ الصَّرفُ بينَهما، هذا إذا كانَ الصَّرفُ جُملةً ولَم يُسَمِّ لِكُلِّ دِينارٍ ثَمَنًا، فإنْ صرَف عِدَّةَ دَنانيرَ بدَراهِمَ وسَمَّى لِكُلِّ دِينارٍ ثَمَنًا، ثم وجَد في الدَّراهِمِ دِينارًا وأرادَ رَدَّه انتَقَضَ مِنه صَرفُ دِينارٍ واحِدٍ، إذا كانَ ذلك قَدْرَ المَصروفِ مِنْ الدَّراهِمِ فما دُونَه، وإنْ كانَ أكثَرَ مِنْ ذلك انتَقَضَ صَرفُ دِينارَيْنِ، وهكذا ما زادَ على هذا أبَدًا على هذا الحِسابِ حُكمُ المَردودِ وغيرِه مِنْ سائِرِ مَنفَقةِ الصَّرفِ.
وفرَّق بَعضُ أصحابِ مالِكٍ في هذه المَسألةِ بينَ أنْ يَكونَ الصَّرفُ في الدَّراهِمِ عَدَدًا أو كَيلًا، وبينَ أنْ يَكونَ الرَّديءُ رَصاصًا أو نُحاسًا أو مَغشوشًا، وبينَ أنْ يَكونَ ناقِصًا وزائِفًا، فقالَ ابنُ عَبدِ الحَكَمِ في أُصولِ البُيوعِ: وإذا اصطَرَفَ دَنانيرَ بدَراهِمَ كَيلًا فوجَد فيها ناقِصًا أو مَكسورًا أو قَبيحَ الوَجْهِ لا يَجوزُ بينَ النَّاسِ، فليسَ له أنْ يَرُدَّه، وليسَ يَنفَسِخُ مِنْ أجْلِ ذلك شَيءٌ مِنْ صَرفِه، وإنْ وجَد فيها نُحاسًا أو رَصاصًا أو دِرهَمًا مَغشوشًا فإنَّه يَرُدُّ إنْ شاءَ، ويَنتقِصُ مِنْ الصَّرفِ دِينارٌ فَقط، يَكونُ سَبيلُه سَبيلَ ما وَصَفتُ لَكَ في الأُولى.
ولِأهلِ المَدينةِ وغيرِهم في هذه المَسألةِ أيضًا قَولانِ: أحَدُهما: يَستَبدِلُ ولا يَنتَقِصُ شَيئًا مِنْ الصَّرفِ، وإليه ذهَب اللَّيثُ بنُ سَعدٍ والأوزاعيُّ وأحمدُ بنُ حَنبَلٍ، والقَولُ الآخَرُ: يَبطُلُ الصَّرفُ فيما رَدَّ خاصَّةً، ويَصحُّ فيما قبَضه، وقالَ به جَماعةٌ أيضًا (١).