للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَب المالِكيَّةُ إلى أنَّه يُشترَطُ في القَبضِ أنْ يَكونَ في مَجلِسٍ واحِدٍ، ووَقتٍ واحِدٍ، هاءَ وهاءَ، فقد رَوى مالِكٌ عن نافِعٍ عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ قالَ: «لا تَبيعوا الذَّهبَ بالذَّهبِ إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ، ولا تَشِفُّوا بَعضَها على بَعضٍ، ولا تَبيعوا الوَرِقَ بالوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بمِثلٍ، ولا تَشِفُّوا بَعضَها على بَعضٍ، ولا تَبيعوا الوَرِقَ بالذَّهبِ أحَدُهما غائِبٌ والآخَرُ ناجِزٌ، وإنِ استَنظَرَكَ إلى أنْ يَلِجَ بَيتَه فلا تُنظِرْه؛ إنِّي أخافُ عليكم الرَّماءَ، والرَّماءُ هو الرِّبا» (١).

قالَ ابنُ عَبدِ البَرِّ : وأمَّا قَولُ عمرَ: «وإنِ استَنظَرَكَ إلى أنْ يَلِجَ بَيتَه فلا تُنظِرْه»؛ فإنَّ العُلماءَ قد اختَلَفوا في مَعناه في كَيفيَّةِ قَبضِ الصَّرفِ.

فقالَ مالِكٌ: لا يَصلُحُ الصَّرفُ إلَّا يَدًا بيَدٍ، فإنْ لَم يُنفِذْه ومَكَثَ مَعَه مِنْ غَدوةٍ إلى ضَحوةٍ قاعِدًا، وقد تَصارَفا غَدوةً فتَقابَضا ضَحوةً، لَم يَصحَّ.

هذا ولا يَصلُحُ الصَّرفُ إلَّا عندَ الإيجابِ بالكَلامِ، ولو انتَقَلا مِنْ ذلك المَوضِعِ إلى مَوضِعٍ غيرِه لَم يَصحَّ تَقابُضُهما.

وقالَ الشافِعيُّ وأبو حَنيفةَ وأصحابُهما: يَجوزُ التَّقابُضُ في الصَّرفِ ما لَم يَفتَرِقا وبينَهما شَيءٌ، وإن طالَتِ المُدَّةُ وانتَقَلا إلى مَكانٍ آخَرَ.

وحُجَّةُ مالِكٍ قَولُ النَّبيِّ : «الذَّهبُ بالذَّهبِ رِبًا، إلَّا هاءَ وهاءَ»، فهذا يَدلُّ على العَوْدِ لا على التَّراخي.

وحُجَّةُ الشافِعيِّ والكُوفيِّينَ أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ رَوى الحَديثَ ثم قالَ


(١) رواه مالك في «الموطأ» (١٣٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>