للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرسَلَ رَسولَه إلى قَومٍ هو مِنهم، بلُغَتِهم، وأنزَلَ عليهم كِتابَه؛ تَيسيرًا مِنه بلِسانِه ولِسانِهم، وقد كانَتِ التِّجارةُ والبَيعُ عندَهم مِنْ المَعاني المَعلومةِ، فأنزَلَ عليهم مُبيِّنًا لهم ما يَلزَمُهم فيهما، ويَعقِدونَهما عليه، فقالَ تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩].

والباطِلُ كما بَيَّناه في كُتُبِ الأُصولِ هو الذي لا يُفيدُ وَقْعُ التَّعبيرِ به عن تَناوُلِ المالِ بغيرِ عِوَضٍ في صُورةِ العِوَضِ.

والتِّجارةُ هي مُقابَلةُ الأموالِ بَعضِها ببَعضٍ، وهو البَيعُ، وأنواعُه في مُتعلِّقاتِه بالمالِ، كالأعيانِ المَملوكةِ، أو ما في مَعنَى المالِ، كالمَنافِعِ، وهي ثَلاثةُ أنواعٍ: عَينٌ بعَينٍ، وهو بَيعُ النَّقدٍ، أو بدَيْنٍ مُؤجَّلٍ، وهو السَّلَمُ، أو حالٌّ، وهو يَكونُ في التَّمرِ، أو على رَسمِ الِاستِصناعِ، أو بَيعُ عَينٍ بمَنفَعةٍ، وهو الإجارةُ.

والرِّبا في اللُّغةِ: هو الزِّيادةُ والمُرادُ به في الآيةِ كلُّ زِيادةٍ لَم يُقابِلْها عِوَضٌ، فإنَّ الزِّيادةَ ليسَتْ بحَرامٍ لِعَينِها، بدَليلِ جَوازِ العَقدِ عليها على وَجْهِه، ولو كانَتْ حَرامًا ما صَحَّ أنْ يُقابِلَها عِوَضٌ، ولا أنْ يَرِدَ عليها عَقدٌ كالخَمرِ والمَيْتةِ وغيرِها.

وتَبيَّن أنَّ مَعنَى الآيةِ: وأحَلَّ اللَّهُ البَيعَ المُطلَقَ الذي يقعُ فيه العِوَضُ على صِحَّةِ القَصدِ والعَمَلِ، وحرَّم منه ما وقَع على وَجْهِ الباطِلِ.

وقد كانَتِ الجاهِليَّةُ تَفعَلُه، كما تَقدَّمَ، فتَزيدُ زِيادةً لَم يُقابِلْها عِوَضٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>