لَكانَ يُمكِنُ المالِكَ أنْ يَتَّجِرَ فيه، ويَستَفيدَ بسَبَبِ تلك التِّجارةِ رِبحًا، فلمَّا ترَكه في يَدِ المَدِينِ وانتفعَ به المَدِينُ لَم يَبعُدْ أنْ يَدفَعَ إلى رَبِّ المالِ ذلك الدِّرهَمَ الزَّائِدَ عِوَضًا عن انتِفاعِه بمالِه؟ قُلنا: إنَّ هذا الِانتِفاعَ الذي ذَكَرتُم أمرٌ مَوهومٌ قد يَحصُلُ، وقد لا يَحصُلُ، وأخْذُ الدِّرهَمِ الزَّائِدِ أمرٌ مُتيقَّنٌ، فتَفويتُ المُتيقَّنِ لِأجْلِ الأمْرِ المَوهومِ لا يَنفَكُّ عن نَوعِ ضَرَرٍ.
وثانيها: قالَ بَعضُهم: اللَّهُ تَعالى إنَّما حرَّم الرِّبا مِنْ حيثُ إنَّه يَمنَعُ النَّاسَ عن الِاشتِغالِ بالمَكاسِبِ، وذلك لأنَّ صاحِبَ الدِّرهَمِ إذا تَمكَّنَ بواسِطةِ عَقدِ الرِّبا مِنْ تَحصيلِ الدِّرهمِ الزَّائِدِ نَقدًا كانَ أو نَسيئةً خَفَّ عليه اكتِسابُ وَجهِ المَعيشةِ، فلا يَكادُ يَتحمَّلُ مَشقَّةَ الكَسبِ والتِّجارةِ والصِّناعاتِ الشاقَّةِ، وذلك يُفضي إلى انقِطاعِ مَنافِعِ الخَلقِ، ومِنَ المَعلومِ أنَّ مَصالِحَ العالَمِ لا تَنتظِمُ إلَّا بالتِّجاراتِ والحِرَفِ والصِّناعاتِ والعِماراتِ.
وثالِثُها: قيلَ: السَّببُ في تَحريمِ عَقدِ الرِّبا، أنَّه يُفضي إلى انقِطاعِ المَعروفِ بينَ النَّاسِ مِنْ القَرضِ؛ لأنَّ الرِّبا إذا طابَتِ النُّفوسُ بقَرضِ الدِّرهَمِ واستِرجاعِ مِثلِه -ولو حَلَّ الرِّبا- لَكانَتْ حاجةُ المُحتاجِ تَحمِلُه على أخْذِ الدِّرهَمِ بدِرهَمَيْنِ، فيُفضي ذلك إلى انقِطاعِ المُواساةِ والمَعروفِ والإحسانِ.