للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَرَرٌ آخَرُ، وهو: هل هو مَوجودٌ وَقتَ العَقدِ أو مَعدومٌ؟ ولِذلك اشتَرَطوا فيه أنْ يَكونَ قَريبَ الغَيبةِ، إلَّا أنْ يَكونَ مَأْمونًا، كالعَقارِ.

ومِن هَهُنا أجازَ مالِكٌ بَيعَ الشَّيءِ برُؤيةٍ مُتقدِّمةٍ، أعني إذا كانَ مِنْ القُربِ، بحيثُ يُؤْمَنُ ألَّا تَتغيَّرَ فيه، فاعلَمه (١).

وَإليكَ تَفصيلَ كلِّ مَذهبٍ في هذه المَسالةِ:

قالَ الحَنفيَّةُ: مَنْ اشتَرَى ما لَم يَرَه صَحَّ، سَواءٌ ذُكِرَ وَصفُه أو لَم يُذكَرْ، كمَنِ اشتَرَى زَيتًا في زِقٍّ، أو بُرًّا في عِدلٍ، أو ثَوبًا في كُمٍّ، واتَّفَقا على أنَّه مَوجودٌ في مِلْكِه، ولَم يَرَ المُشتَرِي شَيئًا مِنْ ذلك، صَحَّ البَيعُ؛ لأنَّ النَّبيَّ اشتَرَى ما لَم يَرَه، ولَه الخيارُ عندَ الرُّؤيةِ إلى أنْ يُوجَدَ مُبطِلُه، وهو ما يَدلُّ على الرِّضا، فإنْ شاءَ أخَذه، وإنْ شاءَ رَدَّه، والأصْلُ فيه حَديثُ أبي هُريرةَ مَرفوعًا: «مَنِ اشتَرَى شَيئًا لَم يَرَه فهو بالخِيارِ إذا رَآه» (٢). ولأنَّه أحَدُ العِوضَيْنِ، فلا تُشترَطُ رُؤيَتُه لِلِانعِقادِ، كالثَّمنِ، ولأنَّه لا يُفْضي إلى المُنازَعةِ؛ لأنَّه إذا لَم يَرضَ به عندَ الرُّؤيةِ يَرُدُّه؛ لعَدمِ اللُّزومِ، وإذا جازَ العَقدُ ثبَت له الخِيارُ بالحَديثِ، وإنَّما يثبُتُ الخِيارُ عندَ الرُّؤيةِ، حتى لو أجازَ البَيعَ قبلَ الرُّؤيةِ لا يَلزَمُ، ولا يَسقُطُ خِيارُه بصَريحِ الإسقاطِ قبلَها، بأنْ قالَ بعدَ تَمامِ العَقدِ:


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ١٧٤، ١٧٥).
(٢) رواه البيهقي في «الكبرى» (١٠٢٠٦)، والدارقطني في «سننه» (٣/ ٤)، وقالَ: وفيه عمرُ بن إبراهيمَ، يُقال له الكُرديُّ يضعُ الأحاديثَ، وهذا باطلٌ لا يَصحُّ، لم يرْوِه غيرُه وإنَّما يَروي عن بن سِيرينَ من قولِه انتَهى. قالَ بن القَّطانِ في كتابِه: والرَّاوي عن الكُرديِّ داهر بن نوح وهو لا يَعرفُ ولعلَّ الجِنايةَ منه. انتَهى. انظر: «نصب الراية» (٤/ ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>