للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّمنِ له، فما لا نَفعَ فيه ليسَ بمالٍ: فلا يَصحُّ بَيعُ ما لا مَنفَعةَ فيه؛ لأنَّه مِنْ أكْلِ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ.

فَلا يَصحُّ بَيعُ آلةِ اللَّهوِ والعَقرَبِ وسائِرِ الهَوامِّ والحَشَراتِ؛ فبَيعُها باطِلٌ؛ لأنَّ بَيعَها مع عَدَمِ المَنفَعةِ فيها مِنْ أكْلِ المالِ بالباطِلِ.

أمَّا إذا وُجدَ مِنْ الحَشَراتِ ما فيه مَنفَعةٌ، فإنَّه يَجوزُ بَيعُه، كَدُودِ القَزِّ، حيثُ يَخرُجُ مِنه الحَريرُ، الذي هو أفخَرُ المَلابِسِ، وكالنَّحلِ حيثُ يُنتِجُ العَسَلَ.

وقد نصَّ الحَنفيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ على جَوازِ بَيعِ دُودِ العَلَقِ - وهو دُودٌ أسوَدُ في الماءِ مَعروفٌ-؛ لِحاجةِ النَّاسِ إليه لِلتَّداوي؛ لِمَنفعَتِه بامتِصاصِ الدَّمِ.

وزادَ ابنُ عابِدينَ مِنْ الحَنفيَّةِ دُودَ القِرمِز (١)، قالَ: وهو أوْلَى مِنْ دُودِ القَزِّ، وبَيضِه؛ فإنَّه يُنتَفَعُ به في الحالِ، ودُودُ القَزِّ في المَآلِ.

كما نصَّ الشافِعيَّةُ على جَوازِ بَيعِ اليَربوعِ والضَّبِّ ونَحوِهما ممَّا يُؤكَلُ.

وقالَ الحَنابِلةُ بجَوازِ بَيعِ الدِّيدانِ لِصَيدِ السَّمَكِ.

وَقَدْ وَضَعَ الحَصكَفيُّ مِنْ الحَنفيَّةِ ضابِطًا لِبَيعِ الحَشَراتِ، فقالَ: إنَّ جَوازَ البَيعِ يَدورُ مع حِلِّ الِانتِفاعِ (٢).

فالحَنفيَّةُ نَصُّوا على جَوازِ بَيعِ دُودِ القَزِّ وبَيضِه، والنَّحلِ المُحرَزِ والعَلَقِ، وزادَ ابنُ عابِدينَ دُودَ القِرمِزِ، بخِلافِ غيرِها مِنْ الهَوامِّ، فلا يَجوزُ اتِّفاقًا، كحَيَّاتٍ وضَبٍّ، وما في بَحرٍ، كسَرطانٍ، إلَّا السَّمَكَ، وما جازَ الِانتِفاعُ بجِلدِه أو عَظْمِه، قالَ الحَصكَفيُّ: والحاصِلُ أنَّ جَوازَ البَيعِ يَدورُ مع حِلِّ الِانتِفاعِ.


(١) نوعٌ من الدودِ يكونُ في عُصارَته صِبغٌ أحمرُ قانٍ، ويسمَّى ذلك الصِّبغ (القرمز). «القاموس والمعجم الوسيط» (قرمز).
(٢) «الدر المختار مع حاشية ابن عابدين» (٦/ ٦١٢، ٦١٣)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>