للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحيحَينِ، فعُلمَ بذلك أنَّ القَصدَ بما سِوى الثَّلاثِ ببَيانِ الجَوازِ؛ فإنَّه لو واظَبَ على الثَّلاثِ لظُنَّ أنَّه واجِبٌ فبيَّنَ في أَوقاتِ الجَوازِ بدونِ ذلك، وكرَّرَ ببَيانِه في أَوقاتٍ، وعلى أوجُهٍ ليَستقرَّ مَعرفتُه ولاختِلافِ الحاضِرينَ الذين لم يَحضُروا الوَقتَ الآخَرَ.

فإنْ قيلَ: فإذا كانَ الثَّلاثُ أفضَلَ فكيف ترَكَه في أَوقاتٍ؟ فالجَوابُ ما قدَّمناه أنَّه قصَدَ البَيانَ، وهو واجِبٌ عليه فثَوابُه فيه أكثَرُ، وكانَ البَيانُ بالفِعلِ آكَدَ وأقوى في النُّفوسِ وأوضَحَ من القَولِ.

وأمَّا أبو داودَ وغيرُه فجَوابُه من وَجهَينِ:

أحدُهما: أنَّه قالَ: الأَحاديثُ الصِّحاحُ، وهذا حَديثٌ حَسَنٌ غيرُ داخِلٍ في قَولِه.

والثاني: أنَّ عُمومَ إطلاقِه مَخصوصٌ بما ذكَرْناه من الأَحاديثِ الحِسانِ وغيرِها.

وأمَّا الجَوابُ عن قياسِهم على التَّيممِ ومَسحِ الخُفِّ فهو أنَّهما رُخصةٌ؛ فناسَبَ تَخفيفَها؛ والرأسُ أصلٌ؛ فإلحاقُه بباقي أَعضاءِ الوُضوءِ أَولى، وأمَّا قَولُهم: تَكرارُه يُؤدِّي إلى غَسلِه، فلا نُسلِّمُ به؛ لأنَّ الغَسلَ جَريانُ الماءِ على العُضوِ، وهذا لا يَحصلُ بتَكرارِ المَسحِ ثَلاثًا، وقد أجمَعَ العُلماءُ على أنَّ الجُنبَ لو مسَحَ بَدنَه بالماءِ وكرَّرَ ذلك لا تَرتفِعُ جَنابَتُه بل يُشتَرَطُ جَريُ الماءِ على الأَعضاءِ (١).


(١) «المجموع» (١/ ٤٩٥، ٥٠٠)، و «شرح صحيح مسلم» (٣/ ٩٢)، و «الأم» (١/ ٢٦)، و «المغني» (١/ ١٥٩، ١٦١)، و «الإنصاف» (١/ ١٦٣)، و «التحقيق» لابن الجوزي (١/ ١١٢)، و «سبل السلام» (١/ ٤٣)، و «نيل الأوطار» (١/ ١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>