للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلَف أصحابُنا في كَسرِ عَظمِها وطَبخِ لَحمِها بالخلِّ على وَجهَين:

أحدُهما -وهو قولُ البَغداديِّين-: أنَّه مَكروهٌ، تَفاؤُلًا له بالسَّلامةِ وطِيبِ العَيشِ.

والوَجهُ الآخَرُ -وهو قولُ البَصريِّين-: أنَّه غيرُ مَكروهٍ؛ لأنَّه طِيرةٌ، وقد نُهيَ عنها، ولأنَّ ذَبحَها أعظمُ من كَسرِ عَظمِها، ومُلاقاةُ النارِ لها أكثرُ من طَرحِ الخلِّ على لَحمِها (١).

وقالوا: الحِكمةُ من عَدمِ كَسرِ عِظامِها ما يلي:

أحدُها: إظهارُ شَرفِ هذا الإطعامِ وخَطرِه إذا كان يُقدَّمُ للآكِلين ويُهدى إلى الجِيرانِ، ويُطعَمُ للمَساكينِ فاستُحبَّ أنْ يَكونَ قِطعًا، كلُّ قِطعةٍ تامَّةٌ في نَفسِها لم يُكسرْ من عِظامِها شيءٌ، ولا نقَص العُضوُ منها شيئًا، ولا رَيبَ أنَّ هذا أجلُّ مَوقعًا وأدخَلُ في بابِ الجُودِ من القِطعِ الصِّغارِ.

المَعنى الثاني: أنَّ الهَديةَ إذا شُرِّفت وخرَجت عن حدِّ الحَقارةِ وقَعت مَوقعًا حَسنًا عندَ المُهدَى إليه، ودلَّت على شَرفِ نَفسِ المُهدِي وكبَرِ همَّتِه، وكان في ذلك تَفاؤلٌ بكبَرِ نَفسِ المَولودِ وعُلوِّ همَّتِه وشَرفِ نَفسِه.

المَعنى الثالِثُ: أنَّها لمَّا جَرت مَجرى الفِداءِ استُحبَّ ألَّا تُكسرَ عِظامُها؛ تَفاؤُلًا بسَلامةِ أعضاءِ المَولودِ وصِحَّتِها وقُوَّتِها، وبما زال مِنْ عِظامِ فِدائِه


(١) «الحاوي الكبير» (١٥/ ١٢٩، ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>