ثمَّ قال: وهذا الذي ذكَرناه ممَّا يَدلُّ على أنَّ الطَّوافَ أفضلُ، فهو يَدلُّ على أنَّ الاعتِمارَ مِنْ مكةَ وتَركَ الطَّوافِ ليس بمُستحبٍّ، بل المُستحبُّ هو الطَّوافُ دونَ الاعتِمارِ، بل الاعتِمارُ فيه حينَئذٍ هو بِدعةٌ لم يَفعَلْه السَّلفُ، ولم يُؤمَرْ بها في الكِتابِ والسُّنةِ، ولا قامَ دَليلُ شَرعيُّ على استِحبابِها، وما كان كذلك فهو مِنْ البِدعِ المَكروهةِ باتِّفاقِ العُلماءِ.
ثم قال ﵀: وأمَّا المَسألةُ الثالِثةُ فنَقولُ: فإذا كان قد تَبيَّن بما ذكَرناه من السُّنةِ، واتِّفاقِ سَلفِ الأُمةِ على أنَّه لا يُستحبُّ بل تُكرهُ المُوالاةُ بينَ العُمرةِ لِمن يُحرِمُ من الميقاتِ، فمن المَعلومِ أنَّ الذي يُوالي بينَ العُمرةِ من مكةَ في شَهرِ رَمضانَ أوْلى بالكَراهةِ، فإنَّه يتَّفقُ في ذلك مَحذورانِ:
أحدُهما: كَونُ الاعتمارِ من مكةَ، وقد اتَّفَقوا على كَراهةِ اختيارِ ذلك بَدلَ الطَّوافِ.
والثاني: المُوالاةُ بينَ العُمرةِ، وهذا اتَّفَقوا على عَدمِ استِحبابِه بل يَنبَغي كَراهَتُه مُطلقًا فيما أعلمُ لِمن لم يَعتَضْ عنه بالطَّوافِ، وهو الأقيَسُ، فكيفَ بمَن قدِر على أنْ يَعتاضَ عنه بالطَّوافِ بخِلافِ كَثرةِ الطَّوافِ، فإنَّه مُستحبُّ مَأمورٌ به لا سيَّما لِلقادِمين، فإنَّ جُمهورَ العُلماءِ على أنَّ طَوافَهم بالبَيتِ أفضلُ لهم من الصَّلاةِ بالمَسجدِ الحَرامِ مع فَضيلةِ الصَّلاةِ بالمَسجدِ الحَرامِ … إلى آخرِ كَلامِه ﵀﷾(١).