للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقْضُوا اللهَ، فاللهُ أَحقُّ بالوَفاءِ» (١)، وغيرُ ذلك من الأحاديثِ مثلَ حَديثِ أبي رَزينٍ العُقَيليِّ، وقد سبَق بَيانُه.

وأمَّا المَعقولُ: فإنَّ العِباداتِ أنواعٌ: ماليَّةٌ مَحضةٌ كالزَّكاةِ، وبَدنيَّةٌ مَحضةٌ كالصَّلاةِ، ومُركَّبةٌ منهما كالحَجِّ، والنِّيابةُ تَجري في النَّوعِ الأولِ في حالَتيْ الاختيارِ والضَّرورةِ لِحُصولِ المَقصودِ بفِعلِ النائبِ، ولا تَجري في النَّوعِ الثاني بحالٍ؛ لأنَّ المَقصودَ -وهو إتعابُ النَّفسِ- لا يَحصلُ به، وتَجري في النَّوعِ الثالثِ عندَ العَجزِ للمَعنى الثاني وهو المَشقَّةُ بتَنقيصِ المال، ولا تَجري عندَ القُدرةِ لعَدمِ إتعابِ النَّفسِ (٢).

قال الكَمالُ بنُ الهُمامِ : وكان مُقتَضى القياسِ ألَّا تَجريَ النِّيابةُ في الحَجِّ، لتَضمُّنِه المَشقَّتيْن، البَدنيَّةَ والماليَّةَ، والأُولى لم تَقمْ بالأمرِ، لكنَّه (تعالى) رخَّص في إسقاطِه بتَحمُّلِ المَشقَّةِ الأُخرى، أعني إخراجَ المالِ عندَ العَجزِ المُستمِرِّ إلى المَوتِ رَحمةً وفَضلًا، وذلك بأن يَدفعَ نفَقةَ الحَجِّ إلى من يحُجَّ عنه، بخِلافِ حالةِ القُدرةِ؛ فإنَّه لم يَعذِرْه؛ لأنَّ تَركَه ليسَ إلا لمُجرَّدِ إيثارِ راحةِ نَفسِه على أمرِ رَبِّه، وهو بهذا يَستحِقُّ العِقابَ، لا التَّخفيفَ في طَريقِ الإسقاطِ، وإنَّما شُرِطَ دَوامُه (أي: العُذرُ) إلى المَوتِ؛ لأنَّ الحَجَّ فَرضُ العُمرِ (٣).


(١) حَديثٌ صَحيحٌ: سبَق تَخريجُه.
(٢) «الهداية شرح البداية» (١/ ١٨٣).
(٣) «فتح القدير» (٢/ ٣١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>