التَّحلِّي به مُستبِقو الخَيراتِ، وقد تَظاهَرَ على ما ذكَرْته جُملٌ من آياتِ القُرآنِ الكَريماتِ، والأَحاديثِ الصَّحيحةِ النَّبويةِ المَشهوراتِ، ولا ضَرورةَ إلى الإِطنابِ بذكْرِها هنا؛ لكَونِها الواضِحاتِ الجَلياتِ.
وقد امتَنَّ الله ﷾ على هذه الأُمةِ بإِبقاءِ طائِفةٍ منها على الحقِّ لا يَضرُّهم من خذَلُهم ولا من خالَفَهم حتى يَأتِيَ أمرُ اللهِ وهم على ذلك، وجعَلَ السَّببَ في بَقائِهم بَقاءَ عُلمائِهم واقتِداءَهم بأئِمتِهم وفُقائِهم، وجعَلَ هذه الأُمةَ معَ عُلمائِها كالأُممِ الخالِيةِ معَ أَنبيائِها، وأظهَرَ في كلِّ طَبقةٍ من فُقهائِها أَئمةً يُقتدى بها، ويُنتهى إلى رَأيِها، وجعَلَ في سَلفِ هذه الأُمةِ أَئمةً من الأَعلامِ، مهَّدَ بهم قَواعدَ الإِسلامِ وأَوضحَ بهم مُشكلاتِ الأَحكامِ، اتِّفاقُهم حُجةٌ قاطِعةٌ، واختِلافُهم رَحمةٌ واسِعةٌ، تَحيا القُلوبُ بأَخبارِهم، وتَحصُلُ السَّعادةُ باقتِفاءِ أَثرِهم، ثم اختَصَّ منهم نَفرًا أَعلى قَدرَهم ومَناصبَهم، وأَبقى ذِكرَهم ومَذاهبِهم، فعلى أَقوالِهم مَدارُ الأَحكامِ، وبمَذاهبِهم يُفتِي فُقهاءُ الإِسلَام، وهم الأَئمةُ الأَربعةُ الأَعلامُ: أَبو حَنيفةَ ومالِكٌ والشافِعيُّ وأَحمدُ، عليهم من اللهِ الرَّحمةُ الواسِعةُ والرِّضوانُ، فللهِ دَرُّهم، هم نُجومُ السَّماءِ، تُشيرُ إليهم بالأَكفِّ الأَصابعِ، وشُمُّ الأُنوفِ يَخضعُ إليهم كلُّ شامِخِ الأَنفِ رافِعٌ، حلَّقوا على سُورِ الإِسلامِ كسُوارِ المِعصمِ في اليدِ، زيَّنَ اللهُ الأَرضَ بمَواطئِ أَقدامِهم، فهم أَصحابُ الفضلِ على أَهلِ المَشارقِ والمَغاربِ؛ فقد ملَأَ عِلمُهم الآفاقَ، وأذعَنَ لهم أهلُ الخلافِ والوِفاقِ، فجَزاهُم اللهُ عن صَنيعِهم جَزاءً مَوفورًا، وجعَلَ عَملَهم