مُضرَ بنِ نِزارٍ المَبعوثُ رَحمةً لِلعالَمينَ، ونورًا لسائرِ الخَلائقِ إلى يومِ الدِّينِ، أرسَلَه حينَ درَسَت أَعلامُ الهُدى، وظهَرَت أَعلامُ الرَّدى، وانطَمسَ مَنهجُ الحقِّ وعَفا، وأَشرفَ مِصباحُ الصِّدقِ على الانطِفا، فأَعلى مِنْ الدينِ مَعالمَه، ومِن حُكمِ الشَّرعِ دَلائلَه، فانشَرحَ به صُدورُ أهلِ الإِيمانِ، وانْزاحَت به شُبهاتُ أهلِ الطُّغيانِ، ﷺ ما دامَت السماءُ والأرضُ هذه في سُموِّها وهذه في اتِّساعِها، وعلى آلهِ البَررةِ، وصَحبِه الخِيرةِ، مَصابيحِ الأُممِ ومَفاتيحِ الكَرمِ، وخُلفاءِ الدِّينِ، وحُلفاءِ اليَقينِ، الذين بلَغوا من مَحاسنِ الفَضائلِ الغايةَ، ووصَلوا من مَكارمِ الفَواضلِ نِهايةَ النِّهايةِ، الحافِظينَ لمَعالمِ الدِّينِ عن الاندِراسِ والانطِماسِ، الذين كَسروا جُيوشَ المَردةِ، وفتَحوا حُصونَ قِلاعِها، وهجَروا في مَحبةِ داعِيهم إلى اللهِ الأَوطارِ والأَوطانِ، ولم يُعاودُوها بعدَ وَداعِها وحفِظوا على أَتباعِهم أَقوالَه وأَفعالَه وأَحوالَه حتى أمِنَت بهم السُّنةُ الشَّريفةُ من ضَياعِها.
وبعدُ: فإنَّ العُلومَ وإن كانَت تَتعاظَمُ شَرفاً، وتَطلعُ في سَماءِ العُلا كَواكبُها شَرفًا، فلا مِريةَ في أن الفِقهَ أجلُّها قَدرًا، وأَعلاها فَخرًا وأَبلغُها فَضيلةً، وأَنجحُها وَسيلةً؛ لأنَّ به يُعرفُ الحَلالُ والحَرامُ، ويَدينُ الخاصُّ والعامُّ، وتبِينُ مَصابيحُ الهُدى من ظَلامِ الضَّلالِ وضَلالِ الظلامِ، قُطبُ الشَّريعةِ وأَساسُها، وقَلبُ الحَقيقةِ الذي إذا صلَحَ صلَحَت، فهو أَولى ما أُنفقَت فيه نَفايسُ الأَوقاتِ، وشمَّرَ في إِدراكِه والتَّمكنِ فيه أَصحابُ الأنفُسِ الزَّكياتِ، وبادَرَ إلى الاهتِمامِ به المُسارِعونَ إلى المَكرماتِ، وسارَعَ إلى