فقال الشافِعيُّ وأحمدُ وأبو يُوسفَ: يُعيدُ طَوافًا آخرَ ولا يُجزِئُه إلا ذلك؛ لأنَّه يَجبُ أنْ يَكونَ آخرُ عَهدِه بالبَيتِ؛ لأنَّه إذا أقامَ بعدُ خرَج عن أنْ يَكونَ وَداعًا في العادةِ، فلَم يُجزِئْه، كما لو طافَه قبلَ حِلِّ النَّفرِ.
وقال أبو حَنيفةَ: لا يُعيدُ، وإنْ أقامَ شَهرًا؛ لأنَّه قدِم مكةَ للنُّسكِ فلمَّا تم فَراغُه منه جاءَ أوانُ الصَّدرِ -الوَداعِ- فطَوافُه حينَئذٍ يَكونُ له، إذِ الحالُ أنَّه على عَزمِ الرُّجوعِ.
وقال مالكٌ: لا بَأسَ لِمن ودَّع البَيتَ بطَوافِ الوَداعِ أنْ يَشتريَ بعضَ حَوائجِه وأنْ يَبيتَ مع كَريهٍ، ولا إعادةَ عليه، ولو أعادَ كان أَحبَّ إليَّ.
وأجمَع مُوجِبو طَوافِ الوَداعِ على أنَّه إنَّما يَجبُ على أهلِ الأمصارِ، ولا يَجبُ على أهلِ مكةَ.
واختلَفوا: فيما إذا فرَغ من أفعالِ الحَجِّ وأرادَ الإقامةَ بمكةَ هل يَجبُ عليه طَوافُ الوَداعِ؟
فقالوا: لا يَجبُ عليه، إلا أبا حَنيفةَ فإنَّه قال: إذا نَوى الإقامةَ بعدَما حلَّ له النَّفرُ الأولُ لم يَسقطْ عنه طَوافُ الوَداعِ (١).
(١) «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ١٦٤)، و «المبسوط» (٤/ ٢٤، ٣٥)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ١٠٠)، وما بعدَها، و «فتح القدير» (٣/ ٤٩، ٥٢)، و «الاختيار» (١/ ٢٠٨، ٢٠٩)، و «المدونة الكبرى» (٢/ ٤٠٢)، و «الاستذكار» (٤/ ٢١١، ٢١٨)، و «بداية المجتهد» (١/ ٤٩٩)، و «تفسير القرطبي» (١٢/ ٥٢)، و «القوانين الفقهية» ص (٩٠)، و «الإشراف» (ص ٢٢٨)، و «الحاوي الكبير» (٤/ ٢١٢)، و «روضة الطالبين» (٣/ ١١٦)، و «المجموع» (٨/ ١٨٤)، و «مغني المحتاج» (١/ ٥١٠)، و «المغني» (٥/ ٨٥، ٩٠)، و «شرح العمدة» (٣/ ٦٥١)، و «شرح الزركشي» (١/ ٥٥١)، و «كشاف القناع» (٢/ ٥١٢)، و «الإفصاح» (١/ ٥٢١، ٥٢٢، ٥٣٤).