النَّحرِ وبعدَ الزَّوالِ في سائرِ الأيامِ إعلامٌ بسَعةِ الوقتِ، وأنَّ كِليْهما مَشروعٌ، وعلى مَنْ قال باختِصاصِ يومِ العيدِ بالجوازِ بالدَّليلِ (١).
الدَّليلُ العاشِرُ: أنَّ من قَواعدِ الشَّرعِ العُظمى رَفعَ الحَرجِ ونَفيَ المَشقَّةِ في الحَجِّ وغيرِه، فلا بدَّ من مُراعاةِ ذلك في رَميِ الجِمارِ لِأُمورٍ:
أولًا: أنَّ من يَرى الأزَماتِ الصَّعبةَ الحاصِلةَ عندَ رَميِ الجِمارِ وخُصوصًا عندَ الزَّوالِ في النَّفرِ الأولِ ليُعلمَ أنَّ هذا الحالَ أوْلى بالتَّرخيصِ من حالِ الرُّعاةِ؛ لتَفاوُتِ المَشقَّةِ، إذْ هي أعظَمُ بلا شكٍّ في هذا الزَّمانِ؛ والمَشقَّةُ تَجلِبُ التَّيسيرَ ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨].
ثانيًا: الرَّميُ في هذا الزَّمانِ فيه من الأضرارِ، وتَعريضِ النَّفسِ للهَلاكِ، والأضرارُ تُبيحُ المُحرَّمَ؛ بل الحاجةُ المُلحَّةُ تُعدُّ سَببًا في جوازِ المَمنوعِ كالجَمعِ في المَطَرِ والبَردِ، فجَوازُ الرَّميِ قبلَ الزَّوالِ لِلحاجةِ المُلحَّةِ أوْلى بالجوازِ؛ بل إنَّ كَونَه ضَرورةٌ مُتَّجهٌ، وحِفظُ الأرواحِ من مَقاصدِ الشَّرعِ العُظمى.
ثالثًا: أنَّ الشَّرعَ رخَّص للرُّعاةِ في تَركِ المَبيتِ، وجَمعِ الرَّميِ -كما تقدَّم- للحِفاظِ على مَواشيهم، ودَفعِ المَشقَّةِ عنهم؛ وليس حِفظُ المَواشي بأوْلى بالعِنايةِ من حِفظِ الأنفُسِ؛ فلا شكَّ أنَّ المُقارَنةَ بَعيدةٌ، فحُصولُ الرُّخصةِ أقرَبُ وأجدَرُ.