للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحَنفيةُ: الرُّكنيَّةُ لا تَثبتُ إلا بدَليلٍ مَقطوعٍ به، ولم يُوجدْ، وحَديثُ: «إنَّ اللَّهَ كتَب عليكم السَّعيَ فاسعَوْا» (١) لا يَنهَضُ دَليلًا على أنَّ السَّعيَ رُكنٌ، ومِثلُه لا يَزيدَ على إفادةِ الوُجوبِ، وقد قُلنا به، أمَّا الرُّكنُ فإنَّما يثبُتُ عندَنا بدَليلٍ مَقطوعٍ به.

وقال الكاسانيُّ : وعن عائشةَ أنَّها قالت: «ما أتمَّ اللهُ حجَّ مَنْ لم يَطفْ بينَ الصَّفا والمَروةِ»، وفيه إشارةٌ إلى أنَّه واجبٌ، وليس بفَرضٍ؛ لأنَّها وَصفَت الحَجَّ بدونِه بالنُّقصانِ لا بالفَسادِ، وفَوتُ الواجبِ هو الذي يُوجِبُ النُّقصانَ، فأمَّا فَوتُ الفَرضِ فيُوجِبُ الفَسادَ والبُطلانَ، ولأنَّ الفَرضيَّةَ إنَّما تَثبتُ بدَليلٍ مَقطوعٍ به، ولا يُوجدُ ذلك في مَحِلِّ الاجتِهادِ إذا كان الخِلافُ بينَ أهلِ الدِّيانةِ.

وإذا كان واجبًا؛ فإنْ ترَكه لعُذرٍ فلا شيءَ عليه، وإنْ ترَكه لغيرِ عُذرٍ لزِمه دَمٌ؛ لأنَّ هذا حُكمُ تَركِ الواجبِ في هذا البابِ، بخِلافِ الأركانِ فإنَّها لا تَسقُطُ بالعُذرِ؛ لأنَّ رُكنَ الشَيءِ ذاتُه، فإذا لم يَأتِ به فلم يُوجدِ الشَّيءُ أصلًا؛ كأركانِ الصَّلاةِ، بخِلافِ الواجبِ (٢).


(١) حَديثٌ صَحيحٌ: رواه الطبراني في «الأوسط» (٥٠٣٢).
(٢) «بدائع الصنائع» (٣/ ٧٧)، و «الهداية» (١/ ١٤٢)، و «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٥١٤)، و «فتح القدير» (٢/ ٤٦١، ٤٦٢)، و «المغني» (٤/ ٥٧٨، ٥٧٩)، و «الفروع» (٣/ ٥٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>