للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختلَفوا هل له وقتٌ آخَرُ وُجوبًا أو لا؟

فذهَب الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنَّه مُوقَّتٌ بأيامِ النَّحرِ وُجوبًا، حتى لو أخَّره عنها صحَّ، ووجَب عليه دَمٌ جَزاءَ تأخيرِه عنها؛ لأنَّ التَّأخيرَ بمَنزلةِ التَّركِ في حقِّ وُجوبِ الجابرِ، بدَليلِ أنَّ مَنْ جاوَز الميقاتَ بغيرِ إحرامٍ ثم أحرَم يَلزمُه دَمٌ، ولو لم يُوجدْ منه إلا تأخيرُ الشكِّ، وكذا تَأخيرُ الواجبِ في بابِ الصَّلاةِ بمَنزلةِ التَّركِ في حقِّ وُجوبِ الجابرِ، هو واجبٌ، فمُراعاةُ مَحِلِّ الواجبِ واجبةٌ، فكان التَّأخيرُ تَركًا للمُراعاةِ الواجبةِ، وهي مُراعاتُه في مَحِلِّه، والتَّركُ تَركٌ لِواجبَين؛ أحدُهما: أداءُ الواجبِ في نَفسِه، والآخَرُ مُراعاتُه في مَحِلِّه، فإذا ترَك هذا الواجبَ يَجبُ جَبرُه بالدَّمِ.

وإذا توقَّت هذا الطَّوافُ بأيامِ النَّحرِ وُجوبًا فإذا أخَّره عنها فقد ترَك الواجبَ، فأوجَب ذلك نُقصانًا، فيَجبُ جَبرُه بالدَّمِ (١).

وقال الإمامُ مالكٌ: لا يَتعلَّقُ الدَّمُ بتَأخيرِه، ولو أخَّره إلى آخرِ ذي الحِجَّةِ؛ لأنَّه جميعَه عندَه من أشهُرِ الحَجِّ، لكنَّه قال: لا بَأسَ بتَأخيرِ الإفاضةِ إلى آخرِ أيامِ التَّشريقِ، وتَعجيلُها أفضلُ، فإنْ أخَّرها إلى المُحرَّمِ فعليه دَمٌ (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ٧١، ٧٢).
(٢) «المدونة» (١/ ٣١٧)، و «المسلك المتقسط» (ص ١٥٥)، و «شرح الزرقاني» (٢/ ٢٨١)، و «حاشية العدوي» (١/ ٤٧٩)، و «الإفصاح» (١/ ٥١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>