للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّمسِ لم يُجزِئه حتى يَقفَ جُزءًا من اللَّيلِ، وشدَّد فيه جِدًّا، حتى قال: ومن خرَج من عَرفةَ قبلَ مَغيبِ الشَّمسِ، ولم يَرجعْ إليها حتى طلَع الفَجرُ، فقد فاتَه الحَجُّ، فإن رجَع فوقَف قبلَ الفجرِ، فلا شيءَ عليه.

قال النَّوويُّ : وإذا دفَع بالنَّهارِ ولم يَعدْ أجزَأه وُقوفُه وحَجُّه صَحيحٌ، سَواءٌ أوجَبْنا الدَّمَ أو لا، وبه قال عَطاءٌ والثَّوريُّ وأبو حَنيفةَ وأبو ثَورٍ، وهو الصَّحيحُ من مَذهبِ أحمدَ، قال ابنُ المُنذرِ: وبه قال جميعُ العُلماءِ إلا مالِكًا.

وقال مالكٌ: المُعتمدُ في الوُقوفِ بعَرفةَ هو اللَّيلُ، فإنْ لم يُدرِكْ شيئًا من اللَّيلِ فقد فاتَه الحَجُّ، وهو رِوايةٌ عن أحمدَ.

واحتَجَّ مالكٌ بأنَّ النَّبيَّ وقَف حتى غرَبت الشَّمسُ، وقال: «لتَأخُذوا مَناسكَكم» (١).

واحتَجَّ أصحابُنا بحَديثِ عُروةَ بنِ مُضرِّسِ أنَّ النَّبيَّ قال: «مَنْ شهِد صَلاتَنا هذه -يَعني الصُّبحَ- وقد وقَف بعَرفةَ قبلَ ذلك ليلًا أو نَهارًا فقَد أتمَّ حجَّهُ» (٢)، وهو حَديثٌ صَحيحٌ، والجَوابُ عن حَديثِهم أنَّه مَحمولٌ على الاستِحبابِ، أو أنَّ اللَّيلَ والنَّهارَ يَجبُ، لكنْ يُجبَرُ بدَمٍ، ولا بدَّ من الجَمعِ بينَ الحَديثَين، وهذا الذي ذكَرناه طَريقُ الجَمعِ، واللهُ أعلمُ (٣).


(١) حَديثٌ صَحيحٌ: تقدَّم.
(٢) حَديثٌ صَحيحٌ: تقدَّم.
(٣) «المجموع» (٨/ ١١٩، ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>