للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حَنيفةَ وأصحابُه: لا تحُجُّ المَرأةُ إلا مع ذي مَحرَمٍ، وهو قولُ أحمدَ، حمَلوا نَهيَه على العُمومِ في كلِّ سَفرٍ، وحمَله مالكٌ وجُمهورُ الفُقهاءِ على الخُصوصِ، وإنَّ المُرادَ بالنَّهيِ الأسفارُ غيرُ الواجبةِ عليها بعُمومِ قولِه تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران: ٩٧] فدخَلت المَرأةُ في عُمومِ هذا الخِطابِ، ولزِمها فَرضُ الحَجِّ، ولا يَجوزُ أنْ تُمنعَ المَرأةُ من الفُروضِ، كما لا تُمنعُ من الصَّلاةِ والصِّيامِ، ألَا تَرى أنَّ عليها أنْ تُهاجرَ من دارِ الكُفرِ إلى دارِ الإسلامِ إذا أسلَمت فيها بغيرِ مَحرَمٍ، وكذلك كلُّ واجبٍ عليها أنْ تَخرجَ فيه، فثبَت بهذا أنَّ نَهيَه أنْ تُسافرَ المَرأةُ مع غيرِ ذي مَحرَمٍ أنَّه أرادَ بذلك سَفرًا غيرَ واجبٍ عليها، واللهُ أعلمُ (١).

وقال الحافِظُ ابنُ حَجرٍ : ومن الأدلَّةِ على جوازِ سَفرِ المَرأةِ مع النِّسوةِ الثِّقاتِ إذا أُمنَ الطَّريقُ أوَّلُ أحاديثِ البابِ، وهو: «أذِن عُمرُ لِأزواج النَّبيِّ في آخرِ حجَّةٍ حجَّها، فبعَث مَعهُنَّ عُثمانَ بنَ عَفانَ وعبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ» (٢).

لِاتِّفاقِ عُمرَ وعُثمانَ وعبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ ونِساءِ النَّبيِّ على ذلك، وعَدمِ نَكيرِ غيرِهم من الصَّحابةِ عليهِنَّ في ذلك، ومَن أبَتْ ذلك من أُمَّهاتِ المُؤمِنينَ، فإنَّما أبتْه من جِهةٍ خاصَّةٍ، كما تَقدَّم، لا من جِهةِ تَوقُّفِ السَّفرِ على المَحرَمِ، ولَعلَّ هذا هو النُّكتةُ في إيرادِ البُخاريِّ الحَديثيْن


(١) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٤/ ٥٣٢، ٥٣٣).
(٢) رواه البخاري (١٨٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>